بين أغنى وأغلى.. سقط حرفٌ فأبدع كبير المسؤولين

جمالية الدعابة وخفتها تأتي من قلة كلماتها وبراعة صاحبها في إلقائها، فما بالك بدعابةٍ قصيرة جمعت حس الفكاهة مع حنكة استبدال حرفٍ بحرف، وخير مثال نكتة "دمشق أغنى مدن العالم"، دعابةٌ أضحكت السوريين وسيّلت الدموع وأوقفت القلوب من شدة هضامتها وأسلوب طرحها الذي جعلنا نترحم على نكت "أسعد خرشوف".
فسر نجاحها هو استخدام حرف النون في "أغنى" بدلاً من حرف اللام في "أغلى"، مبادلةٌ نجحت في محاكاة الواقع فكلا الحرفان يصفان حال المواطن، فاللام لوّعتنا والنون نحرت القلوب العطشى الهاربة من شبح الموت في بلدٍ ينثر الخوف في ثناياه، فهل كان القصد أغنى فعلاً أم أن النون سقطت سهواً؟
من أين يأتي الغناء والأطفال في الشوارع تستنشق الشعلة عوضاً عن هواء الألعاب التي حُرمت منها منذ ولادتها، وسلكت طريق التسول في سبيل لقمةٍ استعصت وزارة شؤون المواطنين عن تأمينها، واكتظت صفوف المدارس عن استيعابهم فالتعليم اليوم يُضني ولا يغني من كثرة تكاليفه.
والحصول على أنبوبة غاز يدعى ثراء لأن الوقوف على الطوابير ابتلاء، فكم أنت ثريٌ أيها الحاصل على ذهبية الغاز في أولمبياد الفقراء السوريين، وحظٌ أوفر لمن لم يحالفه الحظ في اقتناء مادة حيّرت الوزارة، التي فوضت أمرها لله في تأمين المادة السائلة بحجة هيجان البحر وصعوبة وصول المادة إلى الموانئ.
وإن أبرز ما يزكّي الطبخة ويغنيها هو اللحم الأحمر الذي هاجر أو الأبيض الذي طار هرباً، من شعبٍ لجأ إلى البطاطا عوضاً عنه لكنه وقع في دوار بين وزارة تخفي حقيقة الأسعار وتجار تلعب بالدولار، وكأن جيب المواطن بحاجة إلى لعبة الدويخة من كثرة غناها.
لأن المزحة أخت النكتة لذا نتمنى من وزارة النفط توضيح مزحة غلاء البنزين، والابتعاد عن الأسلوب القديم في إثارة غلاء أي قطعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تخفيف الصدمة على الشعب، لذلك راكبي السيارات يطلبون معرفة الخفايا من هذه المزحة ليس للتعجب بل لمعرفة التعامل معها إما بالضحك المفرط أو بالبكاء المحزن على سيارات ستلجأ إلى "الدفش" عوضاً عن الوقود.
لطالما كان المعيار الأساسي في تصنيف الدول الغنية والأكثر سعادة هو دخل المواطن، لذا فإن سوريا تنافس على صدارة أتعس الدول لا أكثرها سعادة، لأن راتب الموظف لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يجلب لعبة تسلي الأطفال وترسم الضحكة على وجوه الآباء الساعية وراء لقمة العيش، ويذكر أن آخر التصنيفات وضعت سوريا في المراتب الأخيرة من حيث دخل المواطن.
فعمالقة الأدب والشعر تكنوا فيك يا دمشق وأساطير الغناء أطربوا الأحياء والأموات، لكنه ليس كفيلاً لإقناع مهاجر بالعودة إليك أو طالب سفر يبحث عن كرامة العيش، لأن ماركسيته في بلده لم تشبع الفقراء وصيامه عن المعاصي زاده ابتلاء، وفقره أشعره بالغربة رغم تمسكه بالهوية فهل هذا غناء أم غلاء؟
المصدر: خاص
شارك المقال: