Wednesday November 27, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

"باغوز فوقاني".. جريمة أمريكية لا يمكن التعاطف مع ضحاياها

"باغوز فوقاني".. جريمة أمريكية لا يمكن التعاطف مع ضحاياها

 

محمود عبد اللطيف

حين حاصرت قوات سوريا الديمقراطية ومن خلفها التحالف الأمريكي ما تبقى من تنظيم داعش في مخيم باغوز فوقاني بريف دير الزور الجنوبي الشرقي، سارع الرئيس الأمريكي للنشر عبر صفحته الرسمية على "تويتر"، مبشراً بما أسماه بالبيان المهم فيما يخص شرق الفرات خلال أقل من أسبوع، لكن الأمر تأخر، إذ إن الجغرافيا الضيقة التي حصر بها تنظيم داعش، حولت ما تبقى من مقاتليه رافضي الاستسلام إلى مستوى متقدم من الرغبة بالقتال على المستوى النفسي، والفرق بين مقاتلي "داعش" وخصومهم المفترضين من عناصر "قوات سوريا الديمقراطية"، هو الرغبة بمواجهة الموت.

في الأنفاق التي أنشأها تنظيم "داعش" في الجزء الجنوبي من المخيم والمناطق المحاذية لنهر الفرات، ظهر أمران، الأول قدرة التنظيم على بناء مقرات لا تتسرب إليها مياه النهر وقدرته على تجفيف المياه الجوفية، إذ إن المنطقة القريبة من ضفتي النهر تعرف بغزارة المياه التي ترشح عبر طبقات الأرض من النهر، ولم يكن المواطن العادي بحاجة لحفر آبار يزيد عمقها عن 10 أمتار في أحسن الأحوال ليحصل على مصدر ري لمزرعته، أما الأمر الثاني فهو دراية قادة التنظيم بفعالية القذائف المستخدمة من قبل الطيران الأمريكي، ما مكنهم من بناء مقرات لا يمكن التأثير بها بسهولة.

الجغرافيا الضيقة التي نزح إليها عدد كبير من سكان القرى التي استهدفتها المرحلة الأخيرة من عملية "غضب الجزيرة" التي بدأتها "قسد" والتحالف الأمريكي في أيلول من العام الماضي، كانت تحوي ما يقارب 80 ألف شخص، فالكتلة البشرية الضخمة التي نقلت من الباغوز، تشكلت نتيجة نزوح المدنيين بالتتالي من "هجين – البوخاطر – أبو الحسن – الشعفة – السوسة – السفافنة – المراشدة"، وهي القرى التي كان يسيطر عليها التنظيم قبل أن يحصر وجوده في القرية الصغيرة التي تتبع إدارياً لناحية "السوسة"، وتبعد عن الحدود العراقية 3 كم، وتبلغ مساحتها نحو 900 هكتار، في حين أن مساحة الأراضي الزراعية التي تتبع لها تقدر بـ4500 هكتار.

التصريحات الأمريكية والأممية حول عدم توقع وجود مثل هذا العدد الضخم، يشير إلى أحد أمرين، الأول إلى العجز الاستخباري الأمريكي في "باغوز فوقاني"، وهذا مستبعد لأن مقاتلي الجيش السوري والحشد الشعبي المرابطين في النقاط المقابلة للباغوز على الضفة الغربية من الفرات في كل من سوريا والعراق، كانوا يشاهدون بالعين المجردة منطقة المخيم، والسوق الذي تحويه، ولا يمكن للطائرات المسيرة الأمريكية ألا توفر المعلومات الكافية عن عدد تقريبي لحجم الكثافة السكانية في المخيم، أما الأمر الثاني فهو تعمد التحالف الأمريكي التعتيم على وجود هذا العدد الضخم، تجنباً للضغوط السياسية والإنسانية من الأمم المتحدة أو الحكومات الأوروبية لوقف عمليات القصف، فاستخدام قنابل الفوسفور الأبيض يعني ارتكاب جريمة حرب.

يعتبر "مخيم الباغوز فوقاني"، أكثر الأماكن تعقيداً من حيث التداخل الجغرافي بين التلال التي تحيط به، ونهر الفرات، ومع إصرار ما يقارب 1200 عنصر من تنظيم "داعش" على عدم الاستسلام لـ"قسد"، اتخذت القوات الأمريكية قرارا بالإبادة الجماعية لكامل قاطنيه، وتعرض المخيم خلال أقل من 12 ساعة لما يزيد عن 50 غارة بالقذائف المتعددة من بينها الفوسفور الأبيض، ما أدى لمقتل ما يقارب 1000 منهم بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، فيما تمكن 200 من الفرار نحو الكهوف الواقعة في سلسلة التلال الصخرية الواقعة في الطرف الشرقي من المخيم، لتدخل بعد ذلك مجموعات "قسد" والاحتلال الأمريكي إلى المخيم، من خلال جريمة لا يمكن التعاطف معها، فالقتلى من عناصر "داعش" وعوائلهم، وتؤكد مصادر ميدانية لـ"جريدتنا"، أن المخيم يحتوي على مقبرة فيها جثامين ضحايا القصف الأمريكي، ومن بينهم عدد كبير من المدنيين الذين أجبروا بفعل منع "قسد" حركة النزوح قبل حصار الباغوز على التواجد في ساحة المعركة.

الجريمة التي ارتكبت في "باغوز فوقاني"، تؤكد على أن الأب الإيطالي "باولو داليولو"، والصحفي البريطاني "جون كانتلي"، والأب السوري "يوحنا إبراهيم"، لم يكونوا موجودين في القرية بحسب المعلومات التي حاولت "قسد" الترويج لها خلال المراحل الماضية، في محاولة منها لتبرير قصفها للباغوز ونقل عناصر التنظيم إلى مخيم الهول بريف الحسكة الشرقي وتجميعهم فيه، وأظهر تسجيل صوتي لأحد مقاتلي التنظيم الذي تحدث بلكنة مغاربية، إن "قسد" تعهدت بالسماح للأسر السورية بمغادرة المخيم بعد فترة، أما الأسر الأجنبية فسيتم إيصالهم لاحقا إلى مناطق "خارج سيطرة قسد"، والمقصود هنا إما المناطق الواقعة شمال شرق حلب وتسيطر عليها قوات الاحتلال التركي، أو إلى العراق أو مناطق شرق الفرات.

يمكن اعتبار "باغوز فوقاني"، المعركة الجدية الوحيدة التي خاضتها "قوات سوريا الديمقراطية" ضد تنظيم "داعش، فمنذ نشوء هذه القوات وسيطرتها على مدينة "الشدادي" النفطية الواقعة في ريف الحسكة الجنوبي، في آذار من العام 2015، كانت اتفاقيات الإخلاء هي الحاضرة، وتبع ذلك تسليم التنظيم لـ"منبج – الطبقة – المنصورة – الرقة – ريف دير الزور الغربي كاملاً، حقول كونيكو والعمر والتنك بريف دير الزور الشرقي"، ومن ثم تحولت الاتفاقيات إلى استسلام عناصر التنظيم مقابل ضمان سلامتهم، ونقلهم إلى "مخيم الهول" بريف الحسكة الشرقي، وبنتيجتها، سلمت المجموعات السورية والعراقية وجزء كبير من أجانب التنظيم أنفسهم لـ "قسد"، وأصبحت المناطق الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات وصولاً إلى "باغوز فوقاني"، التي لم تنجح فيها فكرة الدفع بعناصر التنظيم للتسلل نحو الضفة الغربية للنهر وصولاً إلى المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية، وذلك بفعل تعزيز الجيش السوري لكامل النقاط والكمائن الواقعة قبالة "باغوز"، كما إن فكرة إجبار عناصر التنظيم غير الراغبين بالاستسلام على الانسحاب إلى الأراضي العراقية لم تكن ممكنة التنفيذ بفعل تعزيز قوات الحشد الشعبي العراقي لنقاطها في منطقة "الباغوز العراقية".

لم يكن ممكنا لتنظيم "داعش" التفاوض على تسليم "باغوز فوقاني"، فالأمر يحتاج لضمانات خروج من سورية، لعناصر التنظيم وخاصة القيادات دون ملاحقة قانونية، وربما يكون هذا ما أخر الجريمة التي ارتكبتها القوات الأمريكية خلال ليل أمس، وإن كان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، سيعلن نصراً جغرافياً على داعش في مناطق شرق الفرات، فخطر التنظيم ما زال قائماً بفعل وجود خلاياه النائمة في كامل المناطق التي تنتشر فيها قوات الاحتلال الأمريكي وقسد، ناهيك عن خطر تجميع مقاتليه في "مخيم الهول".

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: