بعد قرار "الجولان".. ماهي احتمالات المواجهة؟
محمود عبد اللطيف
يأخذ قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، إلى ضرورة الوقوف على ما يمكن أن يحصله الكيان الإسرائيلي من القرار، والذي يمكن حصره بما حصلت عليه "تل أبيب"، بعد الاعتراف الأمريكي بالقدس كعاصمة لإسرائيل، فقد يلحق بالقرار الأمريكي مجموعة من الدول الهامشية القرار على المستوى الدولي، والتي تجمعها مع "تل أبيب" علاقة دبلوماسية من نوع ما، كالدول الإفريقية مثلا، لكن دول الاتحاد الأوروبي لا تجد نفسها ملزمة بخرق القرارات الأممية تحقيقا لرغبات الرئيس الأمريكي أو رئيس الوزراء الإسرائيلي.
في الردود المحتملة، تجد دمشق الطرائق السياسية هي الأجدى في المرحلة الحالية، فالذهاب نحو عسكرة ملف الجولان غير ضروري بالمطلق لأسباب تتعلق بضرورات أمنية داخلية كإنهاء الوجود الإرهابي، في مناطق الشمال الغربي من سوريا، والتخلص من الوجود الأجنبي المتمثل بوجود قوات متعددة الجنسيات في الشمال الشرقي من سوريا، أبرزها الوجود الأمريكي، إضافة للوجود التركي في ريف حلب الشمالي الشرقي والشمالي الغربي، وعلى هذا الأساس يفهم أن فتح جبهة الجولان يعني بالضرورة تحرك أمريكي للدفاع عن الكيان الإسرائيلي سيكون متعدد الجبهات، وبالمنطق العسكري لا يمكن فتح جبهات متعددة في آن معاً.
السيناريو الذي تخشاه حكومة الكيان الإسرائيلي على المستوى العسكري، عكس قبل فترة من خلال حديثها عن اكتشافها لما أسمته بـ"وحدة ملف الجولان"، التي زعمت أنها تتبع لـ"حزب الله"، وتنتشر في بلدة "حضر" بريف القنيطرة الشمالي، الصورة هنا تقول بأن "تل أبيب"، تخشى من عمليات أمنية تستهدف نقاطها في الجولان المحتل، في عملية نقل لتجربة المقاومة اللبنانية بالعمل ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومن المنطقي ألا يكون الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله"، قد تحدث في مرات عدة عن "نقل التجربة إلى الجولان"، وتأكيده على أن "الجولان جبهة مفتوحة"، في أكثر من مناسبة قبل إتمام هذه العملية من خلال تشكيل خلايا تابعة للمقاومة داخل القرى التي تحتلها "إسرائيل" في الجنوب الغربي من لبنان، وفي الجولان المحتل، والمنطق هنا يؤكد على أن "نصر الله" لن يتحدث عن مشروع غير منجز، وذلك تحسباً للحراك الإسرائيلي على المستوى الاستخباري والعسكري لإحباط مثل هذه المشروع الذي يهدد وجود الكيان المحتل، و"تل أبيب" تعرف أنها تلاحق ما لا يمكن أن تكتشفه، لذا تحاول البدء بحرب نفسية على خلايا المقاومة من خلالها الحديث عن "وحدة ملف الجولان"، لتنشر صوراً لشبان من "المجموعات الشعبية" التي أوجعت الميليشيات الموالية لتل أبيب قبل تحرير المنطقة الجنوبية على يد الجيش السوري في صيف العام 2018، من هذه الميليشيات وعلى رأسها تنظيم "جبهة النصرة".
وهذا يجعل من عسكرة ملف الجولان خياراً موجوداً، لكن من خلال المقاومة الشعبية، لا من خلال الدخول في حرب مفتوحة لا يريدها أي طرف دولي في المرحلة التي يؤخذ بها الملف السوري إلى الحل بشكل إلزامي، لكونها الأزمة التي أرهقت الاقتصاد الأوروبي أكثر من اللازم بعدة ملفات من أبرزها "اللاجئين – تسليح الميليشيات"، وعلى ذلك يفهم أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة صدام سياسي عالي المستوى بين الحكومة السورية وحكومة الكيان الإسرائيلي التي تعرف أن عدداً كبيراً من الدول الأوروبية ستدين القرار الأمريكي الذي خرق القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالجولان المحتل، وأصلاً يعتبر ما ذهب إليه ترامب ضرباً لأي مسار سياسي قد تسعى إليه الدول الأوروبية للوصول إلى إحياء "مفاوضات السلام" بين سوريا وحكومة الكيان الإسرائيلي، وهي مفاوضات لا تقبل بوجودها دمشق إن لم تؤدي في النهاية إلى الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الرابع من حزيران للعام 1967، دون المساس بعملية دعم المقاومة الفلسطينية، فالسلام التي تريده دمشق لا يعني بأي شكل التطبيع مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة علاقات دبلوماسية كما حصل في عدد كبير من الدول العربية.
لا يرقى القرار الأمريكي لإشعال حرب واسعة في الشرق الأوسط بين الدولة السورية المسنودة بمحور المقاومة "حزب الله – إيران" من جهة، وحكومة الكيان الإسرائيلي مدعومة بالجيش الأمريكي، لكن هذا القرار قد يدفع بالحكومة الروسية نحو الدخول في محاولة لتفكيك الألغام السياسية القابلة للانفجار في منطقة الشرق الأوسط، من خلال محاولة إحياء المفاوضات بين دمشق وتل أبيب في مرحلة ما بعد الانتخابات الإسرائيلية التي يبدو أنها ستميل لصالح رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية "بنيامين نتنياهو"، بكسبه لقرار الاعتراف الأمريكي بالسيادة على الجولان، وهذا ما سيجعل الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط يذهب نحو مسار تصاعدي في وقت تفكر به واشنطن بالتخفيف من التكاليف المالية للحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط، من خلال زيادة القوة الإسرائيلية، وقد يكون هذا الاعتراف بمثابة الجزرة التي ترمى أمام إسرائيل لتذهب نحو لعب دور "البعبع" الذي يجب أن يخيف خصوم واشنطن، لكن هل يقبل خصوم أمريكا الأقوياء ببقاء نفوذها في الشرق الأوسط إن انسحبت منه عسكرياً؟.
قياسا على قدرة روسيا على إقناع "تل أبيب" بالتخلي عن الميليشيات في الجنوب السوري بما أسهم بشكل كبير وسريع بدخول هذه الميليشيات ضمن اتفاقيات إخلاء المنطقة بعد الضغط العسكري عليها، فإن روسيا قادرة على التأثير على الحكومة الإسرائيلية لتعود إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة مع دمشق في مرحلة ما للتخلي عن الجولان، فـ"تل أبيب"، تدرك أنها ستلزم في مرحلة ما من عمر الشرق الأوسط بتطبيق القرارات الأممية التي رفض المجتمع الدولي التخلي عنها لصالح اللاحق بـ"ترامب"، لكنها تبحث عما ستكسبه في حال انسحبت من الجولان، ولأن دمشق تعرف أنها لن تدفع ثمن الجولان على المستوى السياسي والاقتصادي كما حدث في معاهدة سيناء، فإن الواقعية التي تمارسها في السياسة والميدان هي الأجدى لتكون حاضرة في هذا الوقت، فالاندفاع العاطفي نحو إشعال الحرب لم تكن حاضرة يوماً في حسابات الدولية السورية منذ تأسيسها الحديث في العام 1970.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: