بعد إزالة مخالفات دمشق.. هل يُستثنى أصحاب المطاعم من التهمة؟

كريم مهند شمس
تزامناً مع حلول أول عطلة نهاية أسبوع بمناخها الصيفي الرطب، والذي كانت الحشرات خير مبشر به، افترش أصحاب المطاعم والمقاهي طاولاتهم وكراسيهم الإضافية خارج الحدود التي تشير إليها صكوك ملكية تلك المطاعم، لتحتل تلك الطاولات وجالسوها أرصفةً يفترض بها أن تكون مخصصة لعبور المشاة من عامة الناس، وذلك على وجه الخصوص في المقاهي الفارهة بعدد من أحياء دمشق الراقية مثل الشعلان والمالكي وأبو رمانة وغيرها.
بالطبع لسنا من دعاة عدم الاستمتاع بالعطل والمقاهي، ولكن هذا المشهد جعل ذاكرة الأخبار تستحضر مشهداً آخر كانت فيه ورشات محافظة دمشق تنتزع منذ أيام جميع البسطات والأكشاك المخالفة من شوارع العاصمة، عقب تصريح رسمي وصفها بالمتعدية على أملاك الدولة والمعيقة لحركة المواطنين، وكذلك بالمشوهة للمنظر العام.
وإن تكن كذلك، أليس الأمر سيان بالنسبة لتلك المقاهي التي تفترش أرصفةً تُعتبر من أملاك الدولة ومُخصصة لحركة المواطنين وتجميل منظر بلادهم العام؟، أم أن أصحاب تلك المطاعم استعاروها "ليمشوا السهرة فيها" فقط وسيعيدونها في الصباح؟
ولربما لن يكون مشهد جلوس عدد من رواد المقاهي من شباب وعشاق على طاولة ممتدة إلى الرصيف خادشاً لجمال المنظر العام، ولا حتى معيقاً للمارة الذين يمكنهم ببساطة النزول عن الرصيف وإكمال مسيرهم بشكل عادي ريثما يبتعدون عن المطعم، ولكنه حتماً سيخدش مشاعر صاحب بسطة أو كشك من الذين أزيلوا منذ أيام لذات الأسباب، والذي سيعتبر أنه لا فرق بينه وبين صاحب ذلك المطعم ولا اختلاف بالجنح بينهما، بل وسيفكر كم أن الحياة غير عادلة وهو يحاول اجتياز المطعم بالعبور بين طاولاته دون تلقي أي نظرة استهجان من "الغرسون" أو الزبون الجالس عليها.
لعل رصد هذا المشهد في ساعات الليل المتأخرة وبيوم يتبعه عطلة طويلة نسبياً، يُعفي موظفي محافظة دمشق بشكل جزئي من إرجاع سبب تكرار الصورة بأكثر من مكان إلى تقصيرهم بأداء واجباتهم، ولكنه سيثير التساؤلات حتماً حول مدى ارتياح صاحب المطعم للفكرة واطمئنانه من أن أحداً لن يزعجه حتماً، ولذلك بالطبع يمتلك جميع أصحاب المطاعم كمية إضافية من الطاولات التي تزيد عن استيعاب مساحة المكان مخفيةً في القبو أو السقيفة لأوقات الذروة، وكذلك فإن دفع "بقشيش" صغير للموظف المسؤول عن تسجيل المخالفات من هذا النوع، لن يشكل أية مشكلة لأحد غير المواطنين الذين عليهم تغير طريقهم ليتمكن أصحاب المطاعم من جني الأرباح الإضافية.
وفي ظل تطبيق بعض القوانين على الفقراء وحدهم، مع أن جنحهم تشكل "نقطة في بحر" جنح الغني المُعفى من العقوبة لأسباب لا يعلمها إلا الله، من المستحيل أن يتحسن المنظر العام الحقيقي للبلاد قبل حل تلك المشكلة، فحينما يطبق القانون علناً على ناس وناس، لن يُحترم القانون خفية، وما إن يدير موظفو الحكومة ظهورهم، قصداً أو بغير قصد، سيظهر حتماً المخالفون ومخالفاتهم كسرب الجراد، وبأحسن الأحوال ستكون ساعات الدوام الرسمي في دوائر الدولة هي الرادع أو المؤخر الوحيد لارتكاب المخالفات وحتى الجرائم، فهل سبق وأن رأى أحد مواطناً ينتظر إشارة مرور لتفتح إذا لم يكن بجانبها رادار أو شرطي؟.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: