أزمة حمير
محمد عيسى محمد
لم يبق أزمة يمكن للعقل البشري أن يتخيلها إلا ومرت على السوريين في السنوات السابقة، فأحيانا كانت تأتي الأزمة وحدها، وأحيانا أخرى كانت تأبى الأزمة إلا أن تصطحب صديقاتها معها، لذلك كان جل أمنيات المواطن السوري ألا تأتي الأزمة المقبلة قبل أن تنتهي الأزمة التي يمر بها.
منذ يومين، وبينما كنت أنتظر على محطة الوقود في طابور البنزين الممتد من أول المدينة حتى آخرها، لمعت في رأسي فكرة جنونية، وهي استبدال السيارة بحمار، فالحمار اقتصادي ويحافظ على البيئة وقد لا يتأثر بالقرارات التي تصدر أو بالأزمات الحالية أو التي ستأتي مستقبلا وليس عليه ضريبة أو محكوم ببطاقة ذكية.
فذهبت في اليوم التالي إلى أحد الأرياف القريبة كي أبحث عن حمار حقيقي خالي العلام، وبعد جهود حثيثة بالبحث، وجدت حمارا للبيع عند أحد الفلاحين.
وبينما كنت أتفحص حالة الحمار الصحية، أدار الحمار رأسه علي وقال: ابتعد عني! ، للوهلة الأولى لم أصدق أن حمارا يتكلم!، وعندما رأى الحمار دهشتي، سألني: إني أستحلفك ! هل هذه أول مرة ترى فيها حمارا يتكلم؟، وللصراحة أحرجني في سؤاله.
ثم تابع قائلا : أفكاركم أيها المواطنون تجعل الحائط يتكلم، أتيت لشرائي كي تستخدمني بدلا من السيارة في ظل أزمة البنزين، أليس كذلك؟.
أجبته: صحيح، فرد علي: أرجوك أن تدعني وشأني، فأنا أعيش هنا برفاهية مطلقة، وأعمل عملي ويقدمون لي الشعير والماء بكل بساطة، وإذا أخذتني إلى المدينة ولاقت فكرتك استحسانا عند العامة، سيبدأ الناس استخدام الحمير بدلا من السيارات، ومن يعلم؟!، قد تصل الأزمة إلينا وينقطع عنا الشعير، فأرجوك أن تبعدني عنكم وعن أزماتكم.
فتوسلت للحمار ووعدته بأن أعامله أحسن معاملة، وأسقيه عصير الشعير (البيرة) كل يوم، ولا أقطع عنه أكله أبدا، وقلت له : أليس من السهل على الإنسان أن يقلد صوت الحمار ولكن من الصعب عليه أن يكون عنده القدرة على التحمل مثله؟، كحيلة مني لأقنع ذلك الحمار العنيد.
إلا أن الحمار ظل رافضا للفكرة، وقال: هذه الجملة تصح في كل أنحاء العالم إلا عندكم، اذهب واحصل على حاجاتك اليومية قبل أن تعد حمارا بتأمين حاجاته.
للصدق كانت حجة الحمار أقوى من حجتي، لذلك عدت أدراجي وتوجهت نحو أقرب طابور بنزين، لعلي أحصل على 20 ليتر في نفس اليوم.
في الحقيقة عندما كنا نشاهد إحدى حلقات المسلسل الكوميدي بقعة ضوء، كنا نعتقد أن الكاتب قد بالغ في تصوير معاناة المواطن، وأن كل بقعة .هي مغالاة في الخيال، وضرب من ضروب المستحيل، لكن أيامنا هذه تثبت العكس، وتؤكد أن المستحيل ليس سوريا.
المصدر: خاص
شارك المقال: