Monday April 29, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

أردوغان يرد في "آياصوفيا" على ضم الجولان

أردوغان يرد في "آياصوفيا" على ضم الجولان

فارس الجيرودي

«بالنسبة لآيا صوفيا نخطط بعد الانتخابات لإعادته إلى أصله كمسجد، سيكون ذلك جواباً من تركيا على إعلان الرئيس الامريكي القدس عاصمةً لإسرائيل، وعلى قراره الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، فمن الضروري أن نرد على هؤلاء بصفتنا الرئيس الحالي لمنظمة التعاون الإسلامي»

هكذا خاطب الرئيس التركي جمهوره في إطار تحشيدهم للإدلاء بأصوتهم لصالح حزبه في الانتخابات البلدية الأخيرة، فبدلاً مما يفترضه المنطق من ردود من نمط تقليص العلاقات الاقتصادية المتنامية بين تركيا وإسرائيل، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، وصولاً إلى سحب الاعتراف التركي بالكيان الصهيوني، اتجه أردوغان لنكئ جراحٍ قديمة في العلاقة بين أتباع الديانتين الأكبر من حيث عدد الأتباع في العالم اليوم «المسيحية والإسلام».

 وحتى نستوعب أسباب هذه الطريقة الحولاء في الرد، علينا أن نفهم السياق الذي وصل من خلاله حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة في تركيا، ومن ثم حصل على ما حصل عليه من دعم غربي هائل تمثل باستثمارات أوروبية بمئات المليارات من الدولارات وبقروض بقيمة نصف تريليون دولار، صنع من خلالها أردوغان ما يسميه منظرو حركات الإسلام السياسي اليوم بالمعجزة الاقتصادية التركية، وهو سياق يتعلق بأدوارٍ أعطاها النظام الرأسمالي الغربي الحاكم للعالم لتركيا لتؤديها، أكثر مما يتعلق بأسباب تركية داخلية، أو بعبقرية أردوغان الاقتصادية.

ففي ظروف ما بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، وانفراد واشنطن بإدارة ملفات العالم، بدا واضحاً الاتجاه الأمريكي لتأجيج الصراعات الطائفية والاثنية، والرغبة باختلاق عدو جديد متمثلٍ بـ«الإسلام»، مما يوفر مبرراً لمشاريع التسلح الهائلة و للميزانيات العسكرية الأمريكية التي استمرت بالتضخم، بينما كان يفترض أن تتقلص في مرحلة ما بعد انتهاء الخطر السوفيتي.

 كما أن إضفاء طابعٍ «ديني-طائفي» على الصراعات الدولية يعتبر ستاراً مناسباً لتغطية الأهداف الاقتصادية لتلك الصراعات، التي تكفل -في الواقع-  للولايات المتحدة ولحلفائها من الدول الغربية الاستمرار بعملية النهب المنظم لثروات العالم من جهة، وتأمين تشغيل مصانع السلاح التي تحقق للطبقة الرأسمالية الحاكمة في واشنطن ثروات هائلة من الجهة الأخرى.

في هذه الظروف من العام 1993 ظهر الكتاب الشهير «صراع الحضارات» لمؤلفه "صموئيل هنتنغتون"، والرجل بروفيسور في جامعة "هارفرد"، وسبق أن عمل كمخططٍ أمني في إدارة كارتر، أي أنه من صنف الباحثين الاستراتيجيين الذين يعملون في مراكز الأبحاث الأمريكية، التي ترسم الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية، وليس مجرد باحث عابر، وهذا ما يفسر الشهرة العالمية الكبيرة التي حققها كتابه.

«ما يهم الناس ليس هو الأيديولوجيا أو المصالح الاقتصادية، بل الإيمان والأسرة والدم والعقيدة، فذلك هو ما يجمع الناس وما يحاربون من أجله ويموتون في سبيله»، ويتابع «إن الدين محوري في العالم الحديث، وربما كان القوة المركزية التي تحرك البشر وتحشدهم»، هكذا نظّر هنتغتون للعودة إلى الصراع الديني في القرن الحادي والعشرين بعد عقود انقسم خلالها العالم على أساس أيديولوجي بين معسكر غربي رأسمالي وشرقي اشتراكي، هنتغتون من جهةٍ أخرى اعتبر أن حدود الصراعات في المستقبل ستكون بين ما أسماه بالحضارتين المسيحية واليهودية، في مواجهة الحضارتين الإسلامية البوذية من الجهة الأخرى، كما ميز داخل النطاق المسيحي بين ما أسماه بالحضارة الغربية والحضارة الأرثذوكسية التي تشمل روسيا وشرق أوروبا.

لتأتي فيما بعدها تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتفجيرات لندن ومدريد وباريس، مصداقاً لما تنبأ به، أو بالأصح لما خطط له هنتغتون، المثير أكثر أن هنتغتون نفسه ألقى خطاباً في اسطنبول عام 2002 توجه فيه للأتراك الطامحين لدخول الاتحاد الأوروبي قائلاً: « مكانكم ليس في أوروبا بل في قيادة العالم الإسلامي»،  لم يمر عامٌ بعدها حتى وصل السياسي المحافظ أردوغان لمنصب رئيس الحكومة في تركيا، ليتلقى الرجل دعماً اقتصادياً غربياً لامحدوداً، باعتباره رمز «الإسلام المعتدل» الذي يبحث عنه العالم الغربي، فالرجل لا يمانع من زيارة قبر هرتزل مؤسس الصهيونية بصحبة زوجته المحجبة، ولا من الاجتماع بـ "إرييل شارون"، وهو عندما يغضب بسبب مهاجمة الإسرائيليين لسفينة مرمرة، يكتفي بالصراخ في وجه "شمعون بيريز" وبالانسحاب من المؤتمر الذي يجمعهما، دون أن يؤثر ذلك على تنامي العلاقات الاقتصادية التركية-الإسرائيلية.

 ليُعطى أردوغان لاحقاً دوراً رئيسياً في مخطط "الفوضى البناءة" الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليسا رايس"، وسبق أن تنبأ به هنتغنون في كتابه صراع الحضارات، عندما تحدث عن تحلل الدولة القومية، حيث رأت نبوءة هنتغتون النور في العالم العربي خلال ما سمي بـ"الربيع العربي" وعلى يد الجماعات الإسلام السياسي، التي شكلت تركيا أدروغان قاعدتها الخلفية الداعمة.

لذلك من الخطأ أن نفصل بين ظواهر التطرف التي قد تبدو شكلاً متنافرة لكنها في الواقع تخدم بعضها البعض، فظهور تنظيمات القاعدة المتطرفة بأشكالها المتنوعة، مرتبط بصعود اليمين الفاشي في الدول الغربية وهو الصعود المستند إلى «الإسلاموفوبيا»، كما أن ظاهرة «العثمانية الجديدة» التي يمثلها أردوغان هي مرتكز أساسي من مرتكزات المخطط الأمريكي لتطييف الصراعات الدولية، وهو ما يكفل للولايات المتحدة شق جبهة المستضعفين والمقهورين في عالمنا.

 فيصير الملايين من شعوب أمريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا ولمجرد انتمائهم الطائفي في معسكر الولايات المتحدة التي تسرقهم عبر شركاتها الدولية العابرة للقارات، كما يتحالف الملايين من المؤيدين لحركات الإسلام السياسي في بلادنا العربية، مع السفارات الأمريكية لمجرد مواجهة خصومهم السياسيين أو الطائفيين، فيما الولايات المتحدة هي الداعم الرئيسي لعدوهم الذي يستهين بمقدساتهم "إسرائيل"، نحن هنا نتحدث عن محاولةٍ لصهينة المسيحية والإسلام، بعد أن نجحت عملية صهينة أغلب يهود العالم.

    

 

المصدر: خاص

شارك المقال: