انقلابات داخل انقلاب السودان
فارس الجيرودي
يشبه الوضع الغامض في السودان اليوم «لجهة عدم وضوح موازين القوى ولا من يمتلك مفاتيح القوة داخل الجيش»، أكثر ما يشبه حال سوريا خلال حقبة الخمسينات، حين كان الجنرالات ينقلبون على بعضهم البعض، معتمدين على دعم قوى خارجية، إلى درجة أن نكتةً انتشرت في الشارع السوري اختصرت الوضع وقتها، تحدثت عن الضابط الذي يصحو أبكر من غيره صباحاً فينفذ انقلاباً ويستلم السلطة قبل الآخرين.
وكما في غيرها من التجارب الثورية العربية التي بدأت عام 2011 وسميت من قبل الإعلام الغربي بـ«الربيع العربي»، تبدأ شرارة الأحداث بحراك شعبي، ومظاهرات سلمية، لكن الثوار السلميين ليسوا هم من يقود مسار الأحداث لاحقاً، بل تدخل على الخط قوى خارجية تدعم مراكز قوى في الجيش لتوجه الأحداث بما يناسب مصالحها، أو تدعم ميليشياتٍ تشيع الفوضى في البلاد، في حال تعذر اختراق مؤسسة الجيش والتحكم بها.
فبعد ثلاثة عقود من حكم نظامٍ لم تأثرفيه لا الانتفاضات الداخلية ولا الحرب مع الانفصاليين في الجنوب السوداني وفي إقليم دارفور، يبدو كما لو أن الرئيس البشير قد حفر قبره بيده من خلال إرسال وحدات كبيرة ومؤثرة من الجيش السوداني للمشاركة في الحرب السعودية-الإماراتية في اليمن، إذ كانت تلك الحرب مناسبةً لكل من الدولتين اللتين تديرانها، للحصول على موالين لها داخل الجيش السوداني، من كبار ضباط الفرق الذهبية الوازنة في الجيش، عبر إغراقهم بالمال، تمهيداً لنسج علاقاتٍ وثيقة بهم.
كما شكل التنسيق الأمني الذي بدأه نظام البشير مع وكالة المخابرات الأمريكية ضد «الإرهاب» مناسبةً أخرى للأمريكيين للحصول على مراكز قوى داخل الاستخبارات والأمن السوداني، إذ مثّل مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، الفريق "صلاح عبد الله محمد صالح" المعروف بـ"صلاح قوش" رجل الأمريكيين في السودان، وتقول مصادر سودانية أن الرئيس البشير أقاله من منصبه واعتقله لسبعة أشهر عام 2011 بتهمة التآمر على الانقلاب والإخلال بأمن الدولة، قبل أن يضطر البشير لإطلاقه بعفو رئاسي، و من ثم إعادته لمنصبه كمدير للاستخبارات عام 2018.
ومع تخفيض البشير تدريجياً للمشاركة السودانية في الحرب اليمنية، وازدياد حاجة كل من الإمارات والسعودية والولايات المتحدة للجيش السوداني في مشروع "الناتو العربي"، الذي يتم تشكيله بإشراف أمريكي لمواجهة إيران، خصوصاً بعد اعتذار مصر عن المشاركة فيه، استغل الضباط المرتبطون بالخارج الضغط الجماهيري المطالب بتنحي البشير، فأطاحوا «بقيادة وزير الدفاع نائب البشير» بقائدهم السابق،وأعلنوا تشكيل مجلس عسكري يدير شؤون البلاد لفترة انتقالية تصل إلى عامين تتبعها انتخابات.
لكن وزير الدفاع السوداني الفريق "عوض بن عوف" اضطر بعد 24 ساعة فقط للاستقالة، كما قام بإقالة نائبه رئيس الأركان الفريق أول ركن كمال "عبد المعروف الماحي" مسلماً رئاسة المجلس إلى الفريق أول ركن "عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن" مما فُسِر على أنه محاولة من الإمارات وحليفتها السعودية، لإحكام القبضة على السودان، من خلال الضغط لتعيين جنرال تثقان به، حيث قاد عبد الفتاح برهان القوات البرية السودانية التي شاركت في حرب اليمن.
ويثير التكتم على أسماء أعضاء المجلس العسكري الجديد، هواجس إضافية من الطابع الأمني للمجلس، ومن الدعم الخارجي الذي تحظى به أعمدته، علماً بأن الجنرال المستبعد من منصب نائب رئيس المجلس العسكري "عبد المعروف الماحي" يعرف بعلاقاته الوثيقة بحزبيين إسلاميين، ما جعل كثيرين يعتبرون أن سبب استبعاده ارتباطه بمحور «قطر-تركيا»، ليحل محله الفريق "عماد الدين عدوي" الذي ترددت إشاعات بأنه المرشح المحتمل الحقيقي لخلافة البشير، حيث تم تقديم كل من "صلاح قوش" و"عوض بن عوف" المغضوب عليهما شعبياً، ككبشي فداء رغم دورهما في الانقلاب على البشير.
المصدر: خاص
شارك المقال: