Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

عن أمهات يعشن على هامش عيدهن

عن أمهات يعشن على هامش عيدهن

كريم شمس

 

للأمهات يوم، عيد، ذكرى، مناسبة، ومباركة، وربما أكثر. ولكن لتلك الأمهات اللواتي يعشن على هامش عيد الأم، بل وعلى هامش الحياة بأسرها، غصة، ألم، وحرقة وسيتحول عيدهن لمنفى وغربة وجودية، حيث تتمخض جراحهن ويتذكرن آلام الولادة من جديد، مرة تلو الأخرى. إنها جراح أم الشهيد والفقيد والبعيد والمُبعد والمصاب، وجراح أم ليست بأم، أو لم تعد كذلك، لقرار أخذته أو لم تأخذه، وطافت ندوبها فوق ذكرى ولدها.

قد تكون مقدمة فضفاضة بعض الشيء، ودرامية حتى، لكنها مقدمة صُفت حروفها من آلام أمهات لا يملكن سبباً مقنعاً واحداً ليحتفلن لأجله بعيد الأم، سوى أنهن سبق وأن كن أمهاتٍ وخضن تجربة الولادة وما يليها. 

مكالمة أخيرة..

"أمي عم نتقوص بالجامع"، تلك كانت آخر كلمات قالها حمزة لأمه، باتصال انتزعه من اللحظات الأخيرة لمذبحة نيوزلندا التي حدثت منذ أيام، حيث روت الأم السورية ما حفظته ذاكرتها من 20 دقيقة قضتها على الخط، تستمع خلالها لوداع ابنها وهو يلفظ آخر أنفاسه، وبخلفية المشهد كانت أصوات رصاص كثيف، وضمنها تلك التي ثقبت جسدا ابنها وزوجها، وأخرى جرحت طفلها الصغير، لتتلقى أم حمزة هدية مبكرة بمناسبة عيد الأم. حالها كحال عشرات الأمهات اللواتي لا يملكن ما يُقدم للحياة بعد أن سلمن أولادهن للموت.

ما أعز من الولد، إلا البلد

أم وردة التي سلمت بناتها الأربع للغربة، ونثرتهن في شرق الأرض وغربها، ستبقى هي الأخرى على هامش العيد، أو ربما ستقضيه على كاميرا الهاتف من اتصال لآخر محاولةً تضميد أشواقها لهن، عساها ترمم غلطتها حين فضلت دمشق عليهن ولم تحزم أمتعتها عندما كان البحر سيد مستقبل معظم السوريين، وتقول المرأة الستينية مبررة موقفها: "لما رفضت سافر كنت مو قادرة عيش برا الشام دقيقة، بس هلق مالي قادرة عيش جواتها دقيقة بلا بناتي، شكلا الغربة رح تاخدني قبل الموت". 

أدوار معكوسة..

للقصة الثالثة بطل، حاول أن يكون أماً. فعندما فضلت أم أولاده الرحيل لأسباب رفض كشفها، لعبت الحياة لعبتها مع سامر وقُلبت الأدوار، لتصبح أيامه بعد ذلك ضائعة ما بين العمل وجهده الهائل لسد مكان الأم، وبالرغم من استحالة ذلك، لكن أطفاله سيذكرون حتماً أنه عندما فضلت أمهم حياتها عليهم كان هو الجسر الغريب الذي ربط بين أبعد المفاهيم عن بعضها، بين الأمومة وأن تكون أباً.

تقف على الضفة المقابلة له، رانيا وهي أم عزباء رفضت ظلم زوجها، واختارت حمل أثقل الأعباء على كتفيها بقرار انفصال جعلها مطالبة بالعاطفة والمال في آن معاً، وكم من حالات مشابهة عايشتها الشعوب، ولكن لمجتمعنا خصوصيته بزيادة ثقل تلك الهموم بنظراته و"تلطيشاته" والكلام الذي يصفعها جيئةً وذهاباً.

لم يكن السرد السابق، سوى محاولة بسيطة، لتوضيح المفارقة ما بين أن تملك أماً وألا تملكها، فإن كانت أمك هنا، لا تضمها ولا تقبلها حتى، بل اشرب القهوة معها وذكرها كل صباح بأن أيامها المصروفة لأجلك ذات قيمة وأن حبها هو ما أبقاك صامداً حتى الآن، أما إن كنت لا تملك أماً فليكن ذكراها خالد بذهنك في هذا اليوم وبكل يوم.

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: