امتحان الله في سوريا.. « شماعة الحكومة والمؤسسات الدينية لكم الأفواه»
خاص/ حسن سنديان
جلس مولانا وبيده السبحة، "المسبحة"، "يسبح الله بحمده"، و"كرشه" متدلي بين ركبتيه يكاد أن يلامس الأرض، «يا بُني إنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فيبتلي عباده بالسراء والضراء وبالشدة والرخاء، وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم كما يفعل بالأنبياء والرسل»، هذا مادار بين الصحفي كاتب المقال وأحد الشيوخ، حول الفقر المقبع في بلادي ولماذا حلّ علينا نحن السوريين تحديداً؟.
لكن هل يعلم مولانا أن ما يجري في بلادي "سوريا"، وفكرة "امتحان الله" شماعة أرادت منها الحكومة والمؤسسات الدينية، كم الأفواه، وإرضاء المواطن بالقليل، هل يعلم مولانا أن "امتحان الله" فكرة باتت تروجها المؤسسات الدينية "لترقع" أخطاء الحكومة، في ظل عدم وجود الأساسيات التي باتت مستحيلة، أم أن المسؤولين في بلادي يستبدلون فكرة التصريحات الشفافة بامتحان الله وبلاءه، بدلاً من التوضيح العلني، "أين الخبز والكهرباء"، وعند مواجه المسؤول الحكومي بأخطائه، تخرج المؤسسة الدينية عبر وسائل الإعلام والإذاعات الرسمية، لتبرر ما يحصل في بلادي بأنه امتحان من الله"، أي باختصار نحن الشعب في سوريا كالأنبياء والرسل لسبب واحد لأن الله ابتلانا بهذه الحكومة.
هذه الإذاعات لاقت انتشاراً كبيراً في بداية الحرب السورية، خصوصاً في بداية الأزمة الاقتصادية، لامتصاص غضب الناس في ظل الغلاء والفقر الذي بات هوية الشعب السوري، وتحكم التجار بالأسواق بعد فشل الحكومة باتخاذ قرارات توقف هذا الإستننزاف، إذ ذكرنا في مقال سابق حول « البرامج الدينية في سوريا.. فخ استقطاب العقول وتصبير الناس على الحكومة»، قصة م خالد 56 عام"، على إحدى الإذاعات المحلية السورية، عندما أربكت الشيخ بعد شكواها لخلاف مع زوجها بسبب سوء الأحوال المعيشية.. ليبدأ الشيخ بتصبير أم خالد"، وأن مايحصل في سوريا هو امتحان من الله.. ويبدأ بسرد ما يمر به الوطن من محنة وغلاء معيشي».
لكن وزير الأوقاف "عبد الستار السيد" عراب حملات التبرعات العينية بمشاركة التجار، المتحكمين في السوق، هو نفسه يشاركهم تارةً ويطالبهم تارة أخرى بخفض الأسعار والاستغناء عن المربح، دعا في ندوته التي أقيمت بمكتتبة الأسد بدمشق حول بمناسبة "إطلاق حملة أيام الأسرة السورية، الشهر الماضي، إلى عدم تحميل مسؤولية مايحصل في البلاد، على الحكومة السورية، معتبراً أن السبب هو العدوان على سوريا من قبل أمريكا وغيرها، قائلاً: «هذه الأزمة ستنتهي لأن وعد الله حق فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً».
يدور الجدل حول فكرة "ابتلاء الله" للإنسان تبعاً لبلده، وظروفه، وتخطيطه للإقدام على أمرٍ ما، فعدم التخطيط للأمور هو ليس ابتلاء، بل عدم دراية لهذه الخطوة وتبعاتها، وتحمل مسؤوليتها بأي ظرفٍ كان، فما يحصل في سوريا، من نقصٍ للأساسيات، وعدم توفر الكهرباء، والخبز، والبنزين، ليس ابتلاء من الله، بل عدم تخطيط من حكومة فُرضت بفشلها لإدارة بلد بأكمله، تُجيش من خلفها المؤسسات الدينية، وعندما يسأل أحد الأشخاص هذه الشيوخ عبر البرامج الإذاعية والتلفزيونية الدينية المخصصة لهم، حول التفكك الأسري بسبب شدة الفقر، فتكون الإجابة بأنه "امتحان من الله".
الله لا يجربنا بالشر دائماً، فهناك فارق كبير بين امتحان الله في الإسلام والمسيحية، ورغم انتشار مفهوم "اختبار الله" بصورة واسعة في المسيحية، إلا أنه ليس مذكوراً بصورة صريحة في الكتاب المقدس. توجد العديد من الوصايا بشأن علاقتنا مع الله، ولكن إختبار الله ليس أحدها. فهو كفعل الاشتراك فيه أو اجتيازه، والتأثر نفسياً أو شكلياً بشيء ما، للتعلم بالتجربة، يخبرنا الكتاب المقدس أن "الله محبة" (يوحنا الأولى 4: 8). وعندما نختبر محبته يمكننا أن نشارك الآخرين بالمحبة المسيحية بغض النظر عن الظروف، وهذا بدوره ينتج المزيد من المحبة إذ يختبر الآخرين محبة الله من خلالنا، لهذا، فإن مفتاح اختبار الله ليس هو أن نتوقع "اختبار" أو رفعة نفسية. بل هو الانتماء لله مدى الحياة والنمو في معرفته.
بين وجود الاختبار وتفاوته واستخدامه لدى رجال الدين، في تسييس الأزمات، يرى المحلل السياسي خالد سرحان أن « الامتحان الإلهي أو ابتلاء الإنسان موجود، والنص القرآني يذكر قوله تعالى {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}. وويقول الله تعالى أيضا {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}. أي الابتلاء من منطلق ديني موجود ولكن هذا الابتلاء او الإمتحان الإلهي لا علاقة له بظروف الدولة».
وأضاف أن «الابتلاء من منطلق ديني موجود، ولكن لا علاقة له بظروف الدولة، أي ليس من حق الحكومة الاحتجاج بالدين أو استقطاب المشايخ لتخدير الناس بدعوة المعاناة والظروف الاقتصادية الصعبة، لأن الله يريد ذلك»، معتبراً أن «الدولة يفترض تكون مدنية تماماً لا تعكس وجهة نظر أي دين من الأديان، أي أن مشكلة السكن مشكلة الزراعة، البطالة الصناعة، الاقتصاد، حلولها بحاجة لخطط لاستراتيجيات، ودراسة موضوعية لظروف البلد، وليس الرجوع لأحاديث وآيات أو ما شابه وتخدير الناس بالوهم والوعود المزيفة الكاذبة، أما في حال كانت عاجزة عن تقديم حلول، فتنحي المسؤولين واستقالتهم أو التظاهر ضدهم ومحاربتهم بكل الوسائل حق مشروع للشعب».
الصحفية "بيسان خلف"، ترى أن قصة امتحان الله « ليست بالضرورة أن تكون من اختراع الحكومات، ممكن أن تكون من اختراع الإنسان الذي لا يستطيع القول لحكومته لا، وبدورها الحكومة تقمعه، فهذه الفكرة لمجرد المواساة والتخفيف من حمل ضغط الحكومة عليه، وتحميلها مسؤولية الضغط والفشل لــ الله».
وبالنسبة لما يحصل في سوريا فتقول "خلف" « فعلاً الذي يحصل في هذا البلد هو امتحان من الله، ومن المفروض أن يتم امتحان الحكومة وليس الشعب لأن مفهوم امتحان الله يشابه مفهوم "الكارما" بالديانة البوذية، وهو يصيب الإنسان المليء بالذنوب والمعاصي فالله يبتليه لتطهيره من هذه الذنوب وفعلياً الحكومة اليوم، ترتكب ذنوب بحق الملايين، فغالباً تمتحننا بسبب غلطة الـ ٢٠١١».
المصدر: خاص
شارك المقال: