أمريكا تسارع لفرض الأمر الواقع على الشمال الشرقي
محمد نادر العمري
في إطار التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة والذي وصل لحد حافة الهاوية بعد مروحة من التجاذبات والتصريحات والاتهامات والسلوكيات الأمنية والعسكرية بأبعادها السياسية، في مؤشر لعدم القدرة ببعض الأحيان على تجنب الحروب المباشرة واستخدام القوة المفرطة، أو بهدف تهيئة المناخات للجلوس على طاولة المباحثات بعد الحصول على تنازلات تحت التهديد باستخدام القوة، مازالت الولايات المتحدة الأمريكية تنتهج سلوك سياسات فرض "الأمر الواقع" في تنفيذ مشاريعها وأجنداتها ضمن سياق تكتيكاتها التصعيدية في المنطقة بشكل عام.
فالتحالف القائم على التناقضات مابين حلفاء واشنطن، وإعادة خلط الأوراق لكسب المزيد من الوقت، والتلويح بالعصا والجزرة بين الفينة والآخرة، واعتماد الحرب الناعمة بكافة وسائلها السياسة والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، هي من أهم ملامح هذا التوجه وأهم مساراته في التعاطي مع الحرب على سوريا وبخاصة عبر مايسمى في علم الأزمات (( الإدارة بالأزمة))، بمعنى آخر افتعال الأزمات داخل الأزمة بهدف تعقيد الطريق أمام الحلول السياسية التي لاتتناسب مع تطلعات واشنطن، وبخاصة في المنطقة الشمالية الشرقية (الجزيرة السورية) حيث تسارع واشنطن بعد العدول عن قرار الانسحاب لإيجاد صيغة سياسية تشكل نموذجاً للانفصال بموارد ذاتية وبغطاء محلي _ يتلافى أخطاء النماذج السابقة والتي كان أخر محاولاتها في إقليم كردستان العراق_ يشكل بما يمتلكه من موارد قوة نفوذ واشنطن في أي مباحثات سياسية، وملامح هذا التوجه برز في :
1. الضغط الأميركي على السعودية للمسارعة في إتباع مقاربة وسلوك يعيدها للمشهد السوري بعيداً عن الانفتاح وإعادة العلاقات مع دمشق، وهذا برز بشكل واضح أثناء الزيارة الثانية لوزير الدولة لشؤون الخارجية السعودي (ثامر السبهان) إلى الجزيرة السورية، في توقيت سياسي يحمل الكثير من الدلالات والمؤشرات التي أفصح عن بعضها أثناء اجتماعاته بعدد من شيوخ قبائل هذه المدينة بحقل العمر, وبحضور وفد أميركي يمثل الخارجية يترأسه نائب وزير الخارجية " جويل رايبورن" عندما طلب من العشائر ((التفاوض مع قسد وعدم الاصطدام معها))، وذلك بهدف إعادة تعويم الأخيرة وجناحها السياسي "مسد" ضمن مايسمى ((التيار العربي المستقل)) الذي أعلن عن تأسيسه منذ ستة أشهر تقريباً، وتخفيف وطأة الاحتجاج والرفض الشعبي والعشائري بالخصوص لتسلط قسد على إدارة السلطة والثروات الباطنية في المناطق التي تحتلها والتي تطلق عليها "الإدارة الذاتية"، وهنا يبدو التعويل الأمريكي على صلات القرابة العشائرية حاضراً في حسابات خارجيتها، وبما ينسجم مع مساعي السعودية للعودة للتأثير بالمشهد السوري والإقليمي، من خلال توحيد العشائر وقسد، فضلاً عن استثمار هذا التكتل أو الصيغة التوافقية بهدف إحكام قبضة الحصار الاقتصادي على سوريا وعزلها باستهداف الخط البري عبر التحكم بالخارطة الجغرافية من غربي الفرات باتجاه الحدود التركية السورية وصولاً للتنف، وبمايخدم رفع وتيرة تصعيد الصراع مع إيران وقطع أي طريق أمامها أو أمام المسعى الروسي في استقطاب العشائر والقوى الكردية للجلوس على طاولة المباحثات مع الحكومة السورية، وكذلك للضغط على تركيا من قبل واشنطن والرياض والاستفادة من انشغالها في معارك إدلب، حيث وصف وزير الخارجية الأميركي "مايك بامبيو" في تصريح هو الأول من نوعه ((الأكراد في سوريا : بالشركاء العظماء)) كرد على التمسك التركي بشراء منظومة "أس 400" ومسعى الرياض لتسجيل نقطة إضافية في إطار صراعها النفوذي مع المشروع التركي الإخواني.
2. التوجه الأميركي لاستقدام الاعتراف الضمني والعلني بميليشيات قسد وجناها السياسي من قبل الفاعلين الإقليميين والدوليين، حيث شهدت المنطقة زيارات دبلوماسية مكثفة منذ بداية شهر حزيران تمثلت بسبعة وفود خارجية من السويد وفرنسا والنرويج وبلجيكا وهولندا، وسبقها أيضاً زيارات دبلوماسية وأمنية من كازخستان والسودان، عنوانها العام والمعلن هو تسلم مايسمى أسرى تنظيم داعش الذين يحملون جنسيات هذه الدول من ميلسيات قسد، ولكن في مضمونها تسعى واشنطن من خلال الزج بقسد في استقبال هذه الوفود والتباحث معها، هو فتح قنوات اعتراف بها وإقامة علاقة تدريجية معها بمختلف المجالات وقد تشكل طرح إقامة محاكم دولية في مناطق مايسمى الإدارة الذاتية لإنهاء ملف عناصر داعش ومحاكمتهم، بداية تتويج لهذه العلاقات وفق وصف رئيس مركز الأزمات في الخارجية الهولندية "إيان بيجان"، وبذلك تكون واشنطن قد حققت اعتراف دولي بقسد وعززت من طموحاته الانفصالية بشكل يدغدغ جغرافية المنطقة ويهدد أمن دولها، وقدمت لها الدعم المادي الدولي عبر المنح والمساعدات، وعرقلة أي جهود للدخول في حوار داخلي سوري.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: