Friday April 19, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

التطورات الحادة في سعر الصرف الليرة السورية

التطورات الحادة في سعر الصرف الليرة السورية

الدكتور مدين علي

ترتبط حركة سعر الصرف صعوداً وهبوطاً، بمجموعة من المؤشرات والمتغيرات الاقتصادية الكلية منها: المستوى العام للأسعار ومعدل التضخم، وسعر الفائدة، ومعدلات الادخار والاستثمار ومستويات الدخول والطلب والعرض على المستوى الكلي. 

وهي كلها بالمجمل متغيرات تعد هدفاً في الأجل القصير لأدوات السياسة النقدية، التي تسعى بصورة مستمرة نحو تحقيق الاستقرار النقدي والمالي، وتحفيز النمو، والحفاظ على سعر صرف مستقر ومتوازن، يساعد في الإسهام للوصول إلى حالة التوازن الاقتصادي على المستوى الكلي. 

وتبقى القضية الأبرز في هذا الإطار هي إمكانية توفير المتطلب الأساس للاستقرار النقدي والمالي، وبالتالي المطلب الذي يساعد في الحفاظ على سعر صرف متوازن، يتحقق عن طريق النمو المحفّز والمُستدام للإنتاج، وللعملية الإنتاجية، بما يساعد في تضييق فجوة العجز في الميزان التجاري، وذلك عن طريق الإحلال محل الواردات من السلع والخدمات الضرورية، سواء كان لزوم العملية الإنتاجية، أو الاستهلاكية، أو كلاهما معاً وتحفيز الصادرات في الوقت ذاته.

إن ما تقدم شرط أساس لكنه غير كافٍ، لأن تحقيق الاستقرار في سعر الصرف، عند مستوى يحقق التوازن الاقتصادي على المستوى الكلي، يتطلب تنفيذ إجراءات حازمة ونوعية لجهة ما يتعلق بالضبط الصارم والدقيق للسوق، وتضييق الخناق على الأسواق غير النظامية، (أسواق تجار القطع الأجنبي، والمضاربين بالعملات وعمليات التهريب)، التي تتسبب برفع مستوى الطلب على القطع الأجنبي، تحديداً على الدولار.

وفي كافة الأحوال، إن التطورات الدراماتيكية الحادة، التي شهدها سعر صرف الليرة السورية، طوال الأسابيع القليلة الماضية، والتي انتهت إلى تجاوزه عتبة الــ (950) ل.س للدولار، ومن ثم إلى تراجعه إلى حدود (750) ل.س / الدولار، لا يمكن أن تُفسّر بأسباب اقتصادية صرفه، تتعلق بحركة المتغيرات الاقتصادية على المستويين الكلي والجزئي. 

وذلك بالرغم من أهمية دور حركة المتغيرات الاقتصادية الكلية، وضرورة أخذ تأثيراتها بالحسبان، وعدم تجاهلها. 

إلا أن نطاق تأثير هذه المتغيرات، لا يمكن أن ينتج من الناحية العملية، انحرافات حادة، ولا انكسارات نوعية في مسار سعر الصرف، كالتي حصلت في سورية، طوال الأسابيع القليلة المنصرمة.  

إن حركة المتغيرات الاقتصادية  السورية الكلية والجزئية، غير الإيجابية، تولد  دون شك، وقائع وضغوطاً معينة، تدفع بسعر صرف الليرة نحو التراجع أو الانخفاض، لكن مسار سعر الصرف يتخذ  في هذه الحالة مساراً هابطاً، يتجه نحو الأسفل، بصورة سلسة وانسيابية، لا تتخلله انجرافات حادة في المسار، كالتي حصلت  في سوريا، ما يعني أن مشكلة سعر الصرف الحقيقية في سوريا،  تتجاوز، في الشكل والمضمون والأدوات، إلى حدٍ كبير  البعد الاقتصادي، والأطر الاقتصادية التقليدية، لتجد أسبابها في ميادين أخرى، تندرج في نطاق الاستهدافات المركزة أو المُكثفة، لمختلف أدوات الحرب الاقتصادية، تحديداً أدوات الجيل الرابع، التي  يجري الرهان عليها  بقوةٍ في الوقت الحاضر، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية عموماً، لتحقيق أهدافها الإستراتيجية. 

وهي بالمجمل حروب اقتصادية من نوع جديد، (مورست بكل صورها وأدواتها بقوة في الحالة السورية)، تعتمد بصورة كبيرة، على: الإعلام والتشويش وإطلاق الإشاعات، ونشر بيانات كاذبة، وخلق الوقائع المُلتبسة، واللعب على الرأي العام، والتلاعب به، واستغلال نقاط الضعف الكيانية والبنيوية، وإضعاف هيبة الدولة، والتحكم بصورة متشددة، بشبكات التحويلات المالية، وقنواتها الداخلية والخارجية، واختراقها تقنياً ومالياً وبشرياً، وخلق وكلاء محليين لها في الداخل. 

من كل ما تقدم، إلى السيطرة بقوة على المؤسسات المالية الوسيطة، ذات الصلة، واختراقها، بما يساعد في إنجاز مهمة المزيد من الانكشاف النقدي والمالي للبلد المُستهدف، ما يساعد في تحجيم دور السلطات النقدية الوطنية (البنوك المركزية، ومجالس النقد والمصارف الوطنية المحلية)، وإضعاف قدرتها على التحكم، بقنوات تدفق النقد الوطني، والتأثير في وجهته ومسارته. 

ويبقى الجديد الأبرز في هذا الإطار هو، الضغط على أسعار الصرف الرسمية للعملة الوطنية، عن طريق رفع مستوى الندرة النسبية للدولار، وتجفيف سيولة مختلف أنواع العملات القابلة للتحويل، وتضييق الخناق بقوة على مصادر تغذية أسواق الدول المُستهدفة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، من مختلف أنواع القطع الأجنبي القابل للتحويل لا سيما الدولار الأمريكي.

المصدر: خاص

بواسطة :

nour molhem

author

شارك المقال: