السوريون لايبالون بكورونا.. هناك شيء آخر أهم من الوباء
نور ملحم
في الساعة السابعة صباحاً، يكنس أبو عمر الشارع في منطقة «شارع الثورة» ليبدأ بعدها فرش العديد من البسطات التي يعمل عليها حوالي 20 شاباً على مبدأ الورديات.. وما بين المناداة على قطع المكياج والملابس الرياضية وشواحن الموبايل لجمع أكبر عدد من زبائن، تجاهل الرجل والعاملين معه ارتداء كمامة أو قفازات طبية، فهو لا يكترث للوباء: «تسع سنوات ونحن نلعب مع الموت، نجونا منه أكثر من مرة، لا أتوقع أن رب العالمين سيقتلنا بفيروس غير مرئي» بحسب جوابه عن الفيروس الذي يشغل العالم.
أبو عمر ليس موظفاَ حكومياً، ولديه خمسة أطفال، إضافة لأبناء أخيه الذي استشهد في حرستا، لذلك يزاول عمله هذا مقابل بعض المال الذي يجنيه من أصحاب الرزق الأساسي والذي رفض الإفصاح عنهم.
وليس ببعيدٍ عن أبو عمر، وأمام أحد البسطات التي تبيع الحلويات والموالح يتجمهر عشرات الناس في ازدحامٍ مخيفٍ.. نظرة سريعة على هيئاتهم ستكشف أن معظمهم ينتمي للفقراء والمعدمين.
سألتُ سيدةً كانت خارجة من طوفان الازدحام وقد نزعت، بتأففٍ وغضبٍ نتيجة درجات الحرارة المرتفعة، شالها الذي غطت به وجهها كبديلٍ عن الكمامة، عن خوفها من خطر التواجد في الأمكنة المزدحمة فأجابت لاهثةً وبكثيرٍ من القهر: «لو كان باستطاعتي شراء الحلويات والموالح من المحلات لما أتيت إلى هنا، فسعر كيلو البيتفور على البسطة بـ 2500، أما في الأماكن الأخرى يصل الكيلو لـ 20 ألف، نحن الفقراء ممنوعٌ علينا أن نخاف من الفيروس والمرض».
الكثير من السوريين مقتنعون بأهمية وضرورة الحجر الصحي، ولكنهم لا يستطيعون تطبيق ذلك، حيث إن أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وفي حال جلوسهم ربما ينجون من الكورونا ولكن لن ينجوا من الجوع.
وبالتزامن مع تحضيرات عيد الأضحى، وفي مشهدٍ درامي، اكتظت معظم المحامص في منطقة الشيخ سعد، فالزبائن يشترون مؤونة وفيرة، من المكسرات والموالح وغير ذلك، تكفيهم لأيام العطلة الرسمية التي بتت بها الحكومة كنوع من الإجراءات الاحترازية للتصدي للفيروس.
وقف متسولٌ عجوزٌ يستجدي المارة والخارجين بصحبة أكياسهم، منادياً: «ساعدوني الله يبعد عنكن الكورونا»، وعلى بعد أمتارٍ منه كان طفلٌ ينام على الرصيف غير آبهٍ بالوباء القاتل لينقسم المشهد إلى قسمين من الطبقات الاجتماعية.
«درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج».. بالرغم من أهمية هذا المثل، إلا أنه لا يناسب الكثير من الناس في سوريا، إذ باتت الوقاية تحتاج لقناطير من المال، نتيجة جشع تجار الأزمات، فقد وصل سعر الكمامة الجيدة إلى 700 ليرة وأكثر، و2500 لعلبة الكحول الصغيرة، كما طال الغلاء الفاحش أسعار الصابون ومواد التنظيف، وهو ما شكل عبئاً إضافياً على المواطن الذي بالكاد يتمكن من تأمين لقمة عيشه.
وتحتاج تقوية الجهاز المناعي لتناول الأغذية الصحية المتنوعة إلى جانب الراحة النفسية والابتعاد عن التوتر، لكن معظم الناس لا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً، في ظل تحليق أسعار الفاكهة والخضار، فعلى سبيل المثال، وصل سعر الموز والتفاح والبصل إلى 2000 ليرة، فيما تجاوز سعر الليمون والفليفلة – الغنيين بفيتامين C- الـ 4000 ليرة. أما اللحوم فقد أصبح شراؤها حلماً بعيد المنال.
وفي نظرة عابرة على حال السوريين أفكر ما بين الواقع الحقيقي المغيّب بشكل واضح، وما بين القرارات والتصريحات التي نسمعها عبر وسائل الإعلام، ليبقى السؤال ترى هل يستطيعون النوم في ظل الكوابيس التي تداهمهم في نومهم وصحوهم خوفاً من الجوع والمرض؟.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: