Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

السوريات يحتضنَّ وطناً

 السوريات يحتضنَّ وطناً



رماح زوان

ما لم يتحمله إنساناً، تحمّلته الأم السورية عبر هذه الحرب، وبقيت سنديانة دائمة الخضرة، تصد الريح وتظلل بفيئها وطناً أرهقته شمس الحرب الحارقة عبر سنوات ما زالت توصف بالعجاف. تحتفل اليوم الأمّهات السوريات بتاسع "عيد أم" وهن يقاسين الظروف الصعبة، تعبت الحرب ولم يتعبن. 

تحضن "أم علي" باقة من الريحان مند الصباح وتقصد مقبرة الشهداء في اللاذقية، فهناك بات ضريح ولديها الشهيدين علي وعماد بركات. في كل عيد أم كانت تنتظرهما، نادراً ما تكانت الصدفة تجمعهما كون مكان خدمتهما العسكرية بعيدة أحدهما في درعا والآخر في دير الزور. تعايد أم علي نساء أخريات ويستذكرن الهدايا التي أتى بها أبناءهن قبل استشهادهم، تدمع عينا إحدى الأمّهات قائلة "كان ولدي لا ينتظر عيدا حتى يجلب الهدايا، والآن ترك لي ذكراه وغصّة".

"لم يبقَ شيء على حاله، الدنيا كلها تغيّرت، كذلك الحياة بالنسبة لنا" تضع كتاباً أمامها وهي تتكلم، ثم تطالب ابنها أن يعيد تسميع الدرس، "لن تكون ثياب الربيع جميلة إذا لم تحفظه جيداً" تخاطب أم محمد ابنها وهي تحيك ثيابا جديدة بمناسبة عيد ميلاده الذي تزامن مع عيد الأم. وتقول "لا يهم الأم أي هدية، بقدر ما يهمها أن ترى ولدها سعيداً وناجحا" . نزحت أم محمد مع عائلتها من ريف اللاذقية قبل حوالي خمس سنوات بسبب الحرب، وخسرت منزلها وأرضها، تعيش الآن في منزل صغير بالإيجار في حي الرمل الجنوبي. لم تستسلم للظروف الصعبة التي واجهتها منذ نزوحها وبدأت بحياكة الملابس لأولادها يدوياً كون أسعار الالبسة الجديدة مرتفع جداً، لكن لا بأس تقول السيدة الثلاثينية "على الأم الوقوف بقوة وعدم الانكسار، فهي تحمل على عاتقها أهم مسؤولية في المجتمع".

على زاوية الحي تنتظر أم بشار ولدها يومياً علّه يكون يوم عودته، لكن اليوم قصدت أن تطيل فترة انتظارها وتقول "اليوم عيد الأم ولا بد له أن يأتي". فُقِد بشار في مطار الطبقة يوم سقوطه بيد تنظيم "داعش" قبل أكثر من أربع سنوات، ولم يسمع عنه خبر منذ ذلك الوقت تقول أم بشار كانت إجازته الأخيرة موعداً لإتمام خطوبته لكن لم يأتِ حتى الآن".

أما أحمد فقد عمد إلى معايدة أمه عبر موقع "فيسبوك" بصور كان قد التقطها قبل سفره إلى المانيا منذ ثلاث سنوات، يقول أحمد "اضطررت للسفر والاغتراب لأؤمِّن فرصة عمل مناسبة، فالدخل بات منخفضاً جداً في سوريا ولا يناسب متطلبات الحياة"، مضيفاً أنّه سيحاول العام القادم تأمين سفر والدته إلى حيث هو، ويؤكد أحمد أن الغربة علّمته الاهتمام بنفسه جيدا لكن لا بديل عن حنان والدته واهتمامها ومحبتها.

نشاطات عديدة نفذت اليوم من قبل عدة مؤسسات وفرق تطوعية، منها مؤسسة درب التي أطلقت محاور عملها "دعم رعاية بناء" قبل ست سنوات ضمن فعالية اسمها "أمّي سورية" احتفلت من خلالها بعشرات أمّات الشهداء وجرحى الجيش السوري، حتى أصبحت الفعالية مناسبة سنوية تحتفل بها المؤسسة مع الأمهات، وهذه المرة كانت الوجهة قرى ريف جبلة، تقول رئيسة المؤسسة كندة نصار "معظم المتطوعين اختاروا قضاء العيد مع أمهات الشهداء، بعد أن عايدوا أمّهاتهم صباحاً". وتضيف "من المؤكد أن كل أم تريد قضاء عيدها مع أولادها، لكن أمّهات المتطوعين جميعهنّ رغبوا بذهاب أبنائهنّ والعمل لأجل أمّهات الشهداء والجرحى".

ربّما لو عاش الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش حتى اليوم، وشاهد صبر الأمّهات السوريات الجميل والعظيم على كل ما يحصل، لغيّر عنوان إحدى قصائده المشهورة، وصارت "الجميلات هنّ السوريات".

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: