السوريّون في هذا العيد " لا لحاف ولا رجلين"!
لجين البوطي
تسير في شوارع "دمشق" بعد الإفطار، عازماً التجوّل بين الأسواق وفي جيبك "مبلغ معقول" استطعت تجميعه في غضون الأشهر الثلاثة الأخيرة، بالتأكيد حصل ذلك بعد حملة "تقشّف" محكمة.
المبلغ منطقي بالنسبة لمواطن سوري يتقاضى راتباً يتراوح ما بين الـ 35 و 50 ألف ليرة، وهو لن يتجاوز في أفضل الأحوال الـ"25 ألف ليرة"، تكون متفائلاً و واثقاً فبعد جهد جهيد أنت الآن "مزنكل" والأجواء مبتهجة، على استعداد تام لاستقبال العيد بعد شهر متعب من الصيام، كل ما تفكر به تلك اللحظات أنه عليك قسم المبلغ إلى نصفين، الأول لملابس العيد، والنصف الآخر لـ"كزدورات" مميزة ومبهجة مع الأهل والأصدقاء خلال أيام العيد الثلاثة.
لنفترض أنك خصصت 12500 ليرة سورية للثياب وباقي المبلغ "لمشاوير" العيد، تقف عند أول محل لتتفاجىء بسعر "بنطال جينز" مصنوع من قماش رد الجودة بـ 15 ألف، وآخر بـ 20 ألف، و القميص بـ 10 آلاف والحذاء لا يقل عن 10 آلاف ليرة سورية أيضاً.
أما بالنسبة لفتاة تحتاج إلى حقيبة و"إكسسوارات ووو... الخ"، فتحبذ توفير المبلغ لعيد الفطر القادم بعد 3 سنوات، حتى ذلك الوقت قد تتمكن من تجميع ما يقارب الـ 100 ألف ليرة، وحينها من المحتمل أن يكفيها ذلك دون أن تنتظر تخفيض الأسعار في حال استقر سعر "الدولار".
تودّ أن تتأكد من صحة ما يشاع عن أسعار الألبسة والحلويات في هذا العيد، تبدأ بطرح الأسئلة على المارة والباعة عن وضع السوق، خصوصاً بعد الصورة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عن قائمة أسعار "خرافية" موجودة على واجهة أحد المحلّات ولا تتناسب حتى مع "مدير بنك".
خلال إحدى الجولات قد تقابل "سالم" وهو رجلٌ بشوش الوجه، يجلس على إحدى الحواف مع زوجته وابنتيه الكبيرة منهما قد لا تتجاوز سن الـ 8 سنوات، وأكثر ما سيجذبك للحديث معه ابتسامته العريضة، فتتقدم نحوه، وتبدأ بسؤاله عن أسعار البضائع وإن كانت تتناسب مع دخله محدثاً نفسك "شكلو آخد عيدية مبلغ وقدره"، فيجيبك بثقة نفس كبيرة وبذات الابتسامة، والتي ضمنياَ وعلى غير علم تسخر من توقعاتك «أنا مريح حالي من لما شفت الأسعار وشفت ما خرج اشتري.. لهيك نازلين ننبسط نتفرج على العيد وع الناس، شو بدنا نعمل.. بدنا نعيد نحن والولاد»، كانت إجابة متوقّعة لولا ضحكته العريضة تلك !
ثمّ يدور في بالك بأنه ليس من الضرورة أن يكون ارتفاع سعر الألبسة مصاحباً لارتفاع سعر الحلويات في العيد، فعلى المحال سرقة الزبائن من بعضهم البعض بعروض مميزة وأسعار مناسبة أكثر، تدخل أحد المحلات، للسؤال عن سعر كيلو "الشوكولا" بشكل عام وللتعرف عن قرب أكثر عن حركة السوق ومدى إقبال الناس خلال هذا العيد، أول صدمة قد تقابلك.. خلو المحل من الزبائن.. وهذا ما سيدفعك لطرح نهر من التساؤلات على نفسك.. ماذا حدث؟ هل قررّ النّاس صنع الشوكولا في المنزل؟ أم أنهم قرّروا الالتزام بحمية غذائيّة في هذا العيد..! تقابل البائع وتبدأ بطرح الأسئلة من باب الفضول المطلق..
ما وضع حركة السوق هذه الأيام؟ وخصوصاً الآن في موسم العيد؟ قد ينظر متخوّفاً وهو يتساءل إن كنت تحاول استجاراره بالحديث أو أنك مدفوع من قبل منافسه صاحب المحل الآخر في المنطقة.. ثم يبدأ بسرد شكواه حول أن الحركة شبه متوقفة في المحل وبقية المحال المتخصّصة ببيع الشوكولا.. وطبعاً سيؤكد مراراً على أن الوضع لم يكن كذلك سابقاً.. ثم يخبرك بنظرة محبطة «بالعادة بالعيد ما منهدي، بس هالسنة ما في حركة عنا بنوب"، فتحاول معرفة سعر كيلو الشوكولا فيخبرك على استحياء أن الكيلو بـ 8500 ليرة سورية، ويجيبك محاولاً تحسين موقفه «هاد السعر المعممّ بمعظم المحلات يلي عندها شوكولا متوسطة الجودة متل هالنوعية، وللأسف مو كل الطبقات عندها القدرة تشتري من عنا، هية طبقة وحدة وبس يلي بتتردد لعنا بشكل دائم»، يبدأ بالترويج لماركة "الشوكولا"، والتي لم يسبق لك وأن سمعت بها فتسأله عن السبب وراء ارتفاع السعر إلى هذه الدرجة، يجيبك «المشكلة مادة الكاكاو غالية، ونحن منعرف أنو بهالسعر شغلنا داقر.. بس شو طالع بالإيد!؟».
يستقر سعر "الدولار"، فتنهال تصريحات المسؤولين حول تخفيض الأسعار وإرسال دوريات لضبطها ثم تبدأ الوعود حول زيادة الرواتب لتتناسب مع الغلاء الحالي، وحتى الآن ليس هناك أي من تلك الوعود أوالتصريحات التي خرج بها الوزراء سبق وأبصرت النور، ويستمر الغلاء والأسعار مازالت تتضاعف خلال فترة الأعياد دون أيّ رقابة أو تفتيش حول سبب هذا الغلاءـ يقولون للمواطن «على أد لحافك مد رجليك»، إلا أن الأخير في هذا العيد وصل إلى حال لم يتبقى له فيه "لا لحاف ولا رجلين".
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: