الصراع في أمريكا يصل منعرجاً خطراً

فارس الجيرودي
فيما تتوجه أنظار العالم نحو ما تحاول أن تثيره وسائل الإعلام الغربية من لغطٍ حول شرعية الرئيس الفنزويلي "نيكولاس مادورو"، كان قادة الحزب الديمقراطي في الدولة الأكبر والأهم داخل المعسكر الغربي "الولايات المتحدة"، يرفعون أصواتهم واصفين قرار الرئيس الأمريكي الذي وقعه الجمعة الماضي بخصوص إعلان حالة الطوارئ في البلاد، بأنه «انقلاب عنيف» على الدستور الأمريكي، وهذا كان فحوى البيان المشترك لرئيسة مجلس النواب "نانسي بيلوسي" ورئيس الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ "تشاك شامر".
"دونالد ترامب" من جهته، أثبت عبر قراره الأخيربـ«إعلان حالة الطوارئ الوطنية في البلاد» أنه مستعد للذهاب إلى آخر الخط، في استخدام صلاحياته الدستورية، وذلك في سبيل الفوز في سباقه مع الزمن، للوفاء بالوعد الذي قطعه لناخبيه ببناء الجدار الحدودي مع المكسيك، قبل موعد معركة التجديد لولايته الرئاسية العام المقبل 2020.
أما خصوم ترامب فإلى جانب حملات الإعلام والسياسة والاتهامات الأمنية بالتخابر مع روسيا بحقه وبحق مساعديه، وهي جبهات فتحوها ضده منذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض، فقد فعلوا في وجهه كرد على قراره الأخير «جبهة القضاء»، إذ رفع تحالف من 16 ولاية أميركية دعاوى قضائية لوقف العمل بحالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس، ومن الولايات التي قررت مقاضاة ترامب: فرجينيا، وميرلاند، ونيوجيرسي، ونيويورك، وديلاوير، وميشيغان، ومينيسوتا، وينتمي أغلب حكامها إلى الحزب الديمقراطي، إضافة إلى حاكم واحد من الحزب الجمهوري.
كما ظهرت بوادر لتفعيل جبهة أخطر، في مواجهة الرئيس هي جبهة المظاهرات الشعبية المعترضة، وهو أسلوب لطالما استخدمته أجهزة الدولة الأمريكية العميقة ضد أعداء الولايات المتحدة في الخارج، بدءاً من "الثورات الملونة" في دول أوروبا الشرقية، والتي عملت واشنطن على ضمها لحلف الناتو بهدف محاصرة روسيا، وصولاً لـ"ثورات الربيع العربي"، وليس انتهاءاً بالمحاولات اللحوحة لاسقاط "الحالة التشافيزية" في فنزويلا.
وفيما احتشد معارضو ترامب في تجمعات صغيرة ومتوسطة أمام البيت الأبيض، وفي شيكاغو وعشرات المدن الأميركية الأخرى، رافعين شعارات «لا نريد ملكاً»، و«ترامب يحتال على الدستور»، تتوارد معلومات عن عزم منظمات ما يسمى بـ"المجتمع المدني" على تنظيم أحتجاجات أضخم ضد الرئيس، في ولايات أمريكية مختلفة، و على نطاق أوسع، مما يمكن أن يشكل تهديداً لحالة الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية «منذ قرون وليس عقود».
المثير أكثر في مواجهة ترامب مع النخب السياسية التي تعاديه في واشنطن، أن من ينفذ الانقلاب الحقيقي على إرادة الشعب الأمريكي، هم أنفسهم من يصرخون واصفين قرارات الرئيس بالانقلاب على الدستور، فخصوم ترامب الذين حكموا الولايات المتحدة خلال العقود الماضية، بعد أن أوصلوا ممثليهم إلى البيت الأبيض، يستخدمون ضده اليوم، أساليب تشبه ما استخدموه لإسقاط حكومات العديد من بلدان العالم الثالث التي تمردت على الإرادة الأمريكية، أو لإشاعة الفوضى و الحروب الأهلية فيها، في حال تعذر استبدال رئيسها سلماً.
فإلى جانب سلاح "وسائل الإعلام" التي وصفها ترامب بـ"أعداء الشعب"، تم تجنيد أجهزة "الأف بي آي" و"السي آي ايه"، وهي أجهزة غير منتخبة من الناس، ويجب أن تخضع في نظام رئاسي كالنظام الأمريكي إلى سلطة الرئيس الذي انتخبته الأكثرية، لكن ما يحدث في أمريكا يذكرنا مرةً أخرى أن «الديمقراطية الأمريكية» ليست سوى أحد أكاذيب العصر الكبرى، فهل يوقع القدر الولايات المتحدة في الفخ الذي سبق أن دفعت إليه العديد من ضحاياها من بلدان العالم؟.
المصدر: خاص
شارك المقال: