الصحافة الثقافية .. شمعةٌ في مهبّ رياح التكنولوجيا

أحمد محمّد السّح
تذوي الصحافة الثقافية في البلدان العربية كلها بعدما ساور الثقافة من شكوك واختراقات في معناها الدقيق، فانحسرت معها الصحافة الثقافية بدل أن تكون داعماً وشريكاً ومؤسساً في التدعيم لوجود الثقافة والمساهم الأبرز في حركتها.
اشتغل المثقفون منفردين في العالم العربي على تدعيم الثقافة قبل عقود إيماناً منهم بدور الثقافة في تدعيم المجتمعات ولكن تدريجياً بدأت تنشأ المنظمات الرسمية التي تدعم الجهد الثقافي إلا أنهها شيئاً فشيئاً ساهمت في قولبة الثقافة ككل، وجعلتها أبعد ما تكون عن الجمهور أي عن المجتمع، فصارت الثقافة بمختلف أشكالها معزولة بدل أن تكون قادرة على اختراق المجتمع ككلّ، وبقيت مجرد أرخبيلات فردية لا يجمع بينها إلا العنوان العريض ألا وهو الثقافة.
قبل عقود نشأت مجلة شعر وكانت إلى اليوم مرجعاً في التقدم الفكري للثقافة والشعر حصراً وقدمت دراسات هامة جداً، وبعدها تبعتها مجلة مواقف وكانت أجرأ في اختراق الفكر السياسي للمجتمعات العربية ولكنها حوصرت بما هو أشد وهوجمت به مجلة شعر، فابتكر الظلاميون فكرةً جديدة بدل الهجوم على الفكر والثقافة لأن الهجوم يقدم حالة إعلانية وتخلق جدلاً مفيداً فكانت القطيعة والصمت والحرمان من التوزيع لمجلة مواقف هي المشروع الثقافي الأساسي للتثبيط.
وفي سوريا قادت شخصية سورية هو مدحت عكاش مشروع الثقافة من خلال مجلة حملت ذات الاسم تعب في تأسيسها وتأمين التمويل لها، ولكن أعدادها إلى اليوم تعتبر مرجعاً في المواضيع التي كان لها الأسبقية في طرحها. اختفت المجلة عدة مرات طوال فترة صدورها إلا أنها انقطعت نهائياً برحيله. شيئاً فشيئاً ومرحلةً إثر أخرى نخسر وجود مجلات ومشاريع ثقافية شاملة في العالم العربي تتردد أصداؤها في كل البلدان التي يفترض أنها تجمعها ذات اللغة على الأقل وتتكئ على تراث متشابه إلى حدٍّ كبير.
اليوم ورغم وجود وسائل تواصل الاجتماعي التي تسهّل العملية التواصلية لانشاء محتوى ثقافي متفاعل لكننا نفتقد إلى مشروع فكري يمكن أن يساعد في تدعيم المرحلة وتقويمها ثقافياً للوصول إلى منحى فكري أساسي يمكن البناء عليه.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: