النظام الإقليمي نحو الفوضى وليس الحرب
محمد نادر العمري
من الواضح أن الشرق الأوسط وفق التطورات والتغييرات التي طرأت عليه خلال العقدين الأخيرين، أصبح يعد من أكثر الساحات المليئة بالبؤر المتوترة والمتداخلة على الصعيدين السياسي والعسكري، وعلى ما يبدو أن كافة المؤشرات تدلل أنه سيبقى كذلك في المستقبل المنظور. ففي وسط الاضطرابات وفصول الصراع في المنطقة، تغدو الحروب المفروضة على سوريا واليمن وليبيا تتسم بمسار سياسي غير جدي مع إبقاء حال "الكباش العسكري" مؤثراً وضاغطاً للتأثير على أية مباحثات سياسية أو عرقلتها، بينما تأخذ الصراعات في العراق ولبنان والسودان والجزائر شكلاً آخر من التدخل والتنافس الإقليمي والدولي، ليظهر بشكل جلي الصراع الحاصل في البنية الهشة والرخوة للنظام الإقليمي، وربطه مباشرة بديناميكيات تدخلية سياسية تفضي إلى إطالة أمد هذه الصراعات، بل وجعلها أكثر عمقاً، حيث أن هناك العديد من العوامل التي أثرت في تعقيد وتسلسل المشهد الدموي في الشرق الأوسط، فالحرب على سوريا وما أنتجته من إعادة ترتيب الإصطفافات السياسية وتبلور المحاور وخلق معادلات جديدة، كانت سبباً رئيساً في ديمومة الصراع عليها، والأهم أن تراكم الانجازات السورية بجانبيها السياسية والعسكرية باتت أمراً واقعاً لا يمكن بأية حال من الأحوال تجاوزه أو تحجيم نتائجه، التي جاءت عكس التمنيات التي حملها الغزو الأميركي للعراق والذي كان يتضمن في صلبه، تحريضاً على تفعيل الكباشات الإقليمية ذات التأثيرات الطائفية والعرقية بعيدة المدى، والتي ساهمت في بروز نزاعات محلية شكلت أحد الركائز الأساسية لزيادة المنافسات الإقليمية وارتباطها بالتدخلات الدولية، ليغدو المشهد في الشرق الأوسط فوضوياَ وينذر بحوادث كارثية، وفق المشروع الفوضى الخلاقة الرامية إلى إنشاء تصدعات بالجملة في المنطقة لصالح إسرائيل.
ضمن هذه الوقائع، كانت سوريا نقطة الارتكاز في طبيعة المحاور والعلاقات والصراعات الدائرة، فالبرغم من وجود علاقة متينة بين روسيا والكيان الإسرائيلي، فالعلاقة الروسية الإيرانية لم تقوض استراتيجياً في محاربة الإرهاب والمشاركة الفاعلة إلى جانب سوريا والاستمرار بمواجهة الهيمنة الأميركية في المنطقة رغم وجود تباينات تكتيكية وهذا أمر طبيعي، والأمر الذي أزعج واشنطن وإسرائيل على السواء، عدم القدرة على خفض قدرة إيران العسكرية أو ماسمي بسياسة الاحتواء، وكذلك عد القدرة على تغيير السلوك الروسي، هذا الأمر دفع واشنطن للتحشيد ضد إيران، هو تحشيد إعلامي لكن بمظهر عسكري ولأهداف ومفاعيل سياسية اقتصادية، "فالنكاح السياسي" بين الرياض وأبو ظبي وتل أبيب أصبح علنياً بذريعة مواجهة النفوذ الإيراني الذي شكل رعباً لهم، وعليه قفزت العلاقة بين هذه العواصم إلى ما هو أبعد من علاقات دبلوماسية، وبالتالي هناك سعي أميركي مستمر لإيجاد مبررات إيجاد حلف عسكري قد لايكون هدفه استهداف إيران، ولكنه يشكل ورقة ضغط وابتزازمستمرين.
فالتأزم الأمريكي الواضح جراء السقوط في الكثير من الملفات الدولية وعدم القدرة على الدخول بمجابهة عسكرية مباشرة، يدفعه للتمسك بإدارة الفوضى ضمن الحرب الناعمة كما هو الهدف من الدعم الأميركي المستمر لداعش والكرد في سوريا، بما لذلك من رسائل ضغط على سوريا وإيران وبما يهد الحدود الجنوبية الغربية الروسية ، ومن جانب آخر يحتوي على تطمينات أميركية لكل من إسرائيل والسعودية، ضمن الفوضى الدموية وأشكال الحروب المتنوعة.
ففي دراسة نشرت بداية العام في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، عن "إمكانية وقوع حرب على نطاق لم يسبق لها مثيل من حيث التعقيد والتشابك"، اعتمد المركز في دراسته على نتائج الانجازات السوري وتعاظم قوة محور المقاومة ككل، هذا الأمر سيؤدي إلى إحداث توترات عبر جهات فاعلة ومن خلال جبهات ونطاقات متعددة، واستندت الدراسة بهذا الصدد على ما جاء في تصريح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، عندما حذّر في حزيران 2017 من أنه "إذا شنت إسرائيل حرباً ضد سوريا أو لبنان، فلا أحد يدري إن كان القتال سيبقى لبنانياً-إسرائيلياً، أو سورياً-إسرائيلياً"، وقد يفسح ذلك الطريق أمام الآلاف، وحتى مئات الآلاف من المقاتلين من جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي للمشاركة".
وتابعت الدراسة "من المرجح أن تحدث مثل هذه الحرب نتيجة لتصعيد غير مقصود، في أعقاب إجراء إيراني آخر ضد إسرائيل من سوريا، أو في أعقاب ضربة إسرائيلية في لبنان أو سوريا (على سبيل المثال، ضد منشآت إنتاج الصواريخ، ويمكن أن تبدأ نتيجة لضربة أميركية أو إسرائيلية على برنامج إيران النووي، وقد تحدث حتى نتيجة لصراع يبدأ في الخليج لكنه يصل إلى حدود إسرائيل ".
فالمتابع للسلوك العدواني الإسرائيلي يمكن، أن يضع أحد السيناريوهات التالية في حال نشوب حرب وفق نطاقها أو أطرافها أو الزخم الناري وتأثيراتها:
- حرب طرف ضد طرف: أي كما الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان، لكن يشارك فيها أيضاً مستشارين عسكريين سوريين وإيرانيين وربما آلاف المقاتلين المتطوعين، وحتى بعض حركات المقاومة الفلسطينية (التي أقامت وجوداً عسكرياً محدوداً في جنوب لبنان).
وتبقى الجبهة السورية هادئة نسبياً، حيث تقوم إسرائيل هناك بأنشطة عدوانية محدودة لاعتراض حركة المقاتلين والقدرات إلى داخل لبنان.
- حرب في سوريا: وهذه الحرب تتعدى حرب الأطراف إلى حرب محاور وبأطراف متعددة، فهي حرب تقع على الأراضي السورية بين القوات الإسرائيلية وقوات محور المقاومة بكافة أطرافهم.
وتبقى الجبهتين اللبنانية والفلسطينية شبه هادئةً نسبياً يتخللها خروقات تحمل رسائل متبادلة.
والجانب الروسي لن يكون له سوى دور الوسيط السياسي إلا باستثناء تعرض قواته للخطر.
- حرب على جبهتين: وهي حرب في لبنان وسوريا ، حيث يعامل كلا الجانبين لبنان وسوريا كمسرح واحد، وموحد للعمليات.
- إسرائيل ضد إيران: هو السيناريو الأضعف ولكن محاولة إضعاف إيران في استهداف قوتها بسوريا أو العراق هو الأكثر احتمالاً من قبل تل أبيب، وربما يجري العمل بشكل أكثر نحو الحفاظ على حالة التوتر والصراع قائمة لدفع دول الخليج لخوض حرب بالوكالة ضد إيران على غرار (المعركة الاستنزافية) لصدام ضد إيران، وهذا يقودنا لسيناريو التالي أي حرب إقليمية، إنه سيناريو قائم ولكن أيضاَ بمؤشرات ضعيفة ولكن في حال حدوثه فأنه سيشمل معظم دول الخليج، ويكون هناك تدخل أمريكي إسرائيلي مباشر ما يؤدي إلى حدوث تصعيد متسارع بأشكال الصراع من خلال الفعل وردة الفعل,بشكل تتدحرج معه كرة النار وتتطاير شرارتها بشكل لايمكن احتوائها.
تصريحات ترامب الأخيرة بانتظاره اتصال من طهران تصب ضمن تعقيدات المشهد الإقليمي، ولاتشي بانفراجات قريبة، بل ستعزز من سياسة (عض الأصابع) أو ثنائية التنافس التي قد أدخلت الشرق الأوسط في صراعات دموية، حيث أن ثنائيات السعودية إيران، وإسرائيل إيران، سوريا إسرائيل والولايات المتحدة إيران، والولايات المتحدة روسيا، تزيد من احتماليات التوتر، وبالتالي من الصعب حل أي صراع إقليمي أو دولي، الأمر الذي ستكون له تداعيات تصيب التوازن الإقليمي وكذلك الدولي بالتصدع، وعليه فإن المصالحة بين هذه الثنائيات المتنافسة لا تبدو ممكنة في القادم من الأيام، لكن المنافسة الحتمية قد تأخذ شكلاً أقل فتكاً لمعرفة القوى العظمى أن أي تدحرج عسكري قد لا يمكن احتواؤه، وقد يشكل نواة انفجار بركان مزلزل جيوسياسياً.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: