Friday May 3, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

المرتزقة قادمون

المرتزقة قادمون

فارس الجيرودي

«نحن قادمون، التوقيع شركة بلاك ووتر»

 بعد يومين من إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" نيته سحب كامل قواته من سوريا، وتقليص عددها في أفغانستان، نشرت مجلة "ريكويل" الأمريكية المتخصصة بالشؤون العسكرية، الاقتباس السابق كإعلانٍ على إحدى صفحاتها، وبالتزامن مع ظهور هذا الإعلان،  أطل مؤسس الشركة الأمنية "إريك برينس" الذي سبق أن ذاعت سمعة مرتزقته السيئة في كلٍ من العراق وأفغانستان على شاشة قناة "فوكس نيوز"، حيث ألمح إلى إمكانية أن يقوم متعاقدون عسكريون «مرتزقة» بالحلول مكان القوات الأمريكية لمتابعة مهمة مساندة حلفاء واشنطن في سوريا، ضد من وصفهم بـ«خصوم الولايات المتحدة السوريين والإيرانيين الذين يمتلكون قوات تقليدية، تجعل صمود حلفائنا أمامهم أمراً صعباً دون مساندة» على حد تعبير "برينس".

هم «المرتزقة القادمون» حسب كتاب للمؤلف الأمريكي "جيرمي سيركل" الذي وصف كيف تحول مقاتلو شركة "بلاك ووتر" إلى حرس للامبراطورية التي حاول "جورج بوش" الابن إقامتها عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وذلك بذريعة محاربة الإرهاب، فمجموعة المفكرين الاستراتيجيين "المحافظون الجدد" والذين تولوا مناصب هامة في إدارة بوش الابن، ونظّروا لمشروع تأمين النفوذ الأمريكي على العالم لقرن جديد قادم عبر استخدام التكنولوجيا العسكرية، لم يتوقعوا أن تحتاج السيطرة على العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 لأكثر من ربع مليون جندي أمريكي، نظراً لإيمانهم بما يوفره تقدم التكنولوجيا العسكرية الأمريكية من إمكانيات هائلة تختصر الحاجة للجنود على الأرض، لكن حسابات البيدر الأمريكي لم تطابق حسابات الحقل العراقي، إذ انفجرت عمليات المقاومة في وجه القوات العسكرية الأمريكية منذ صبيحة اليوم التالي لسقوط النظام العراقي، وذلك بدعم من الدولتين المجاورتين للعراق «سوريا وإيران» واللتان كان المفكر الأمريكي "برنارد لويس" توقع أن يكونا حجري الدومنيو الساقطين بعد فترة وجيزة من سقوط العراق.

خلال السنوات القليلة التالية لعملية غزو العراق، اضطرت الإدراة الأمريكية للاستعانة بنحو ربع مليون مرتزق إلى جانب الربع مليون جندي الأمريكي، في محاولة لإحكام السيطرة على العراق، بالإضافة للاستعانة بنحو 20 ألفاً آخرين من المرتزقة في أفغانستان، حيث تمت إدارة وتنظيم هؤلاء من قبل شركات أمنية أمريكية خاصة، أشهرها شركة "بلاك ووتر" فأمّن هذا الأسلوب عدة مزايا: منها إمكانية التهرب من الإعلان عن الخسائر في الأرواح، وسهولة التغطية على العلميات العسكرية المعادية للوجود الأمريكي، إذ تبدو هذه الإمكانية أصعب وأعقد في حال كان القتلى جنوداً أمريكيين نظاميين، كما أن هؤلاء المرتزقة لا يتبعون لأي جهة حكومية أمريكية أوعراقية أو أفغانية، وهم ينفذون فقط أوامر إدارة شركتهم الأمنية، مما يعني قيامهم بالمهمات القذرة، دون أن يقع اللوم مباشرةً على الحكومة الأمريكية أو حلفائها. 

لكن أسلوب الاستعانة بالمرتزقة ليس من ابتكار الأمريكيين، فالمملكة البريطانية ذات العدد المحدود من السكان، لم تستطع بناء الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، إلا عبر تجنيد المرتزقة من أبناء المستعمرات خصوصاً الهند، ويمكننا أن نعتبر تجربة كتائب "الاوكسيليا" التي جند الرومان عناصرها من أهالي البلاد التي احتلوها، هي أقدم تجربة سجلها التاريخ على هذا الصعيد، كما تعتبر تجربة استعانة الدولة الأيوبية بـ"المماليك" وهم عناصر مقاتلة من القوقاز وآسيا الوسطى، هي أبرز تجارب تجنيد الجماعات الوظيفية المقاتلة في تاريخ منطقتنا العربية، عموماً ظل المرتزقة يشكلون قسماً هاماً من معظم الجيوش الكبرى حول العالم قبل ظهور ما يعرف بـ"الدولة الوطنية" في القرن التاسع عشر، حين تمكنت الدولة تحت مفهوم "الوطنية" المستحدث، من تجنيد مواطنيها إلزامياً.

 لكن رغم ذلك بقيت المشكلة الأساسية للدول الاستعمارية إمكانية اختلاق دوافع حقيقة من قبل جهاز الدولة الدعائي "الإعلام"، تدفع الناس للقتال والمخاطرة بحياتهم في سبيل أوطانهم، ففيما يكون هذا سهلاً في حال وجود أخطار حقيقية تهدد الأمن القومي، أو في حالة النجاح بتسويق دوافع أيديولوجية تقنع شريحة واسعة من المجتمع كما كان عليه حال "ألمانيا النازية" و"إيطاليا الفاشية"، فإن هذا أصبح أكثر صعوبة شيئاً فشيئاً مع دخول المجتمعات الغربية عصر الرفاهية الاقتصادية، ومع سقوط الأيديولوجيات، وسيادة ما يعرف بـ"ثقافة المتعة"، حينها أصبح اللجوء إلى خيار تجنيد المرتزقة خياراً ملحاً فلمعت أسماء الشركات الأمنية، على التوازي مع فشل الجيش الأمريكي في إحكام السيطرة على كل من العراق وأفغانستان.

أسلوب الاستعانة بالمرتزقة تم استنساخه من قبل وكلاء الولايات المتحدة في المنطقة، فشكلت كلٌ من السعودية والإمارات المتحدة، جيوشاً من المرتزقة السودانيين، والكولومبيين من أصحاب الخبرة السابقة في مقاتلة الفصائل اليسارية الثورية ومافيات تجارة المخدرات في أمريكا اللاتينة، وتم الزج بهؤلاء المرتزقة في مواجهة الجيش اليمني واللجان الشعبية التابعة لحركة أنصار الله الحوثية في اليمن، كما تشير معلومات إلى استثمار الإمارات العربية المتحدة لمبلغ 530 مليون دولار لتشكيل قوة مؤلفة من 800 مرتزق تابعين لـ"بلاك ووتر"، مهمتهم التدخل لحماية نظام حكم "أبناء زايد" في وجه أي محاولة انقلابية داخلية، كما تقول أنباء غير مؤكدة سوقها الإعلام القطري، أن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" استنسخ التجربة الإماراتية، واستخدم قوة من مرتزقة بلاك ووتر، لحماية نظام حكمه بمواجهة الأمراء السعوديين المنافسين.

بالنسبة لنا كشعوب المنطقة، يمثل خيار استعانة إدارة ترامب بمرتزقة كبديل عن الجيش الأمريكي، تحدياً جديداً، لكنه تحدٍ غير مرعب، فمن واجه الجيش الأمريكي في عز صعود الولايات المتحدة، بواسطة حرب الشعب «المقاومة» لن يرعبه بحالٍ من الأحوال الاستعانة بمقاتلين مستأجرين، وتجربة فشل السيطرة الأمريكية على العراق بواسطة المرتزقة، و فشل الحرب السعودية-الإماراتية على اليمن، تجربتان ماثلتان للعيان.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: