Thursday May 9, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

المهن اليدوية تنتعش في ظل الحرب

المهن اليدوية تنتعش في ظل الحرب

حبيب شحادة 

فقدت "سوريا" بِفعل الأزمة الكثير من القوى العاملة ليس فقط في القطاع العام (و/أو) الخاص، بل امتدد الفقد لمن يعمل في الحرف والمهن اليدوية، ويعود ذلك للنزوح والهجرة، اللذان أعطيّا هذه المهن فرصة للانتعاش من جديد، في حين بقيت الوظائف الأخرى "الحكومية والخاصة" على حالها دون قدرتها على مواكبة التغيير الذي طرأ على أجور المهن والحرف اليدوية. 

"سامر" أحد سكان منطقة "جديدة عرطوز"، يعمل بالقطاع الخاص (دخله لا يتجاوز الـ 60 ألف ليرة سورية)، ويقوم بكساء منزل أخيه المقيم في "دبي" للعمل، قال لجريدتنا، إنّ «عملية الإكساء مُكلفة كثيراً، وأنّ أخيه رغم دخله الجيد نسبياً مقارنة بمن يعمل داخل سوريا، إلا أنّه يقوم بكساء منزله بالتقسيط، (أي على دفعات)». 

مهنة شاقة ولكن دخلها جيد

"أبو حمدان" العامل في مجال البناء "معلّم باطون" يقول لجريدتنا، إنّ «مهنته شاقة جداً، وتحتاج إلى جهد عضلي للقيام بها، لكنها بنفس الوقت تحقق لمن يعمل بها حياة كريمة، خصوصاً أنّ أجورها ارتفعت بما يتناسب والتضخم الذي حصل»، ويضيف «بأنّ هذه المهنة فقدت الكثير من الناس الذين كانوا يعملون بها ما أدى لارتفاع أجورها بشكل كبير خلال سنوات الحرب». 

يتابع أبو حمدان، «إنّ ورشة واحدة يعمل بها خلال عشرين يوم مثلاً، تأتي له بدخل يقارب 400 ألف ليرة سورية»، وهذا الرقم لا يستطيع الحصول عليه من يعمل سواء في القطاع العام أو الخاص، من فئة الناس المتعلّمة والحاصلة على شهادات عليا حيث أصبح دخل هذه الفئات أقل بكثير من دخل عمال المهن اليدوية الذين لا يمتلكون الشهادات، ولكنهم يمتلكون الخبرة. 

أحد الأشخاص "رفض ذكر اسمه" يعمل في ورشة "أبو حمدان"، برغم أنّه خريج جامعي، لكنه رفض العمل في القطاع العام كونه لا يؤمن لعائلته المكونة من 6 أشخاص دخل يكفيهم في الوقت الراهن، ما اضطره للعمل في مهنة شاقة، ولكنها تغنيه وعائلته عن حاجة الناس كما قال. 

شخص أخر كان يدرس ويعمل في ورشة "أبو حمدان" بنفس الوقت لتأمين مصروفه، قال لجريدتنا، بإنّه «يفكر بترك جامعته والاستمرار بالعمل في ورشة أبو حمدان»، ويضيف «عندما أتخرج من الجامعة لن أجد فرصة عمل بسهولة، وإن وجدتها لن يكون دخلها جيد وكافي، أما الأن فأنا أعمل هنا وأحصل على دخل جيد، لذلك أفكر ملياً بترك الجامعة، وتعلّم هذه المهنة التي يُعول عليها في مشروع إعادة الإعمار». 

مهن أخرى

ليست مهنة "معلّم الباطون" الوحيدة بين المهن اليدوية، التي تؤمن الحياة الكريمة لمن يعمل بها، وإنّما هناك مهنة "معلّم صحية"، الذي يتقاضى من يعمل بها أجور تتناسب والتضخم الحاصل اليوم. 

محمد "اسم مستعار" يعمل تمديدات صحية خارج أوقات عمله كمحاسب في أحد الجهات الحكومية، يضيف «بأنّ ما يحصل عليه بيوم واحد من عمله في التمديدات الصحية، يفوق ما يقارب نصف دخله الشهري من عمله كمحاسب». 

"يسار" يدرس تعليم مفتوح اختصاص "ترجمة"، لكنه يعمل في مهنة الكهرباء "تمديدات كهربائية"، ورغم أنّ مهنته ليست شاقة، إلا أنّها جيدة لناحية الدخل الذي تؤمنه، يقول لجريدتنا، «بإنّ مصلحة الكهرباء مهنة جيدة مالياً، لكنها لا تناسب طموحه العلمي في مجال دراسته، وأنّ ما اضطره للعمل بها، تأمين مستلزماته المعيشية». 

 لكن "عمار" مهندس الميكانيك "سنة ثانية"، الذي يعمل في ورشة إصلاح للسيارات في أحد أحياء دمشق، يقول، «أمارس مهنة ميكانيك السيارات عن حب وشغف، وبنفس الوقت أقوم بدراستها أكاديمياً، ولا أجد أيّة صعوبة أو خجل من العمل حالياً في ورشة صغيرة لميكانيك السيارات»،  فهي من جهة تؤمن له الخبرة العملية، وتوفر له دخل مادي جيد، لجهة ثانية. 

اختلال في البنى الاجتماعية 

لا شك في أنّ البنى الاجتماعية والتفاعلات المرافقة لها جراء التداعيات التي أنتجتها الأزمة، خلقت اختلال في تلك البنى، حيث أصبح العمل في مهنة واحدة غير قادر على تغطية تكاليف الحياة اليومية، ما جعل الموظف، والطالب، وربّما المدرس، يعمل في مهن أخرى لا تتناسب وتحصيله العملي، كما أصبح دخل معلّم ورشة "باطون" في أقل من شهر يفوق دخل أستاذ جامعي حاصل على أعلى الشهادات. 

لكن مع ذلك لا يمكن مقارنة الجهد الذي يبذله من يعمل في المهن اليدوية، مع الجهد الذي يبذل للعمل سواء في القطاع العام أو الخاص، والذي لا يتطلب ذاك الجهد العضلي الكبير. 

حيال ذلك يعلق المهندس المعماري "يوسف محمد"، بأنّ «من يعمل في المهن اليدوية غالباً لا يكون خاضع للتأمين الصحي والنقابي ناهيك عن خطورة هذه المهن، والتي قد تؤدي في بعض الأحيان لجعل من يعمل بها فاقداً القدرة على العمل»، ويضيف، «أنّ أجور هذه المهن ارتفعت بما يتوافق مع ارتفاع الأسعار، كنتيجة لغلاء المواد التي يعملون بها من جهة، ولعدم وجود ضوابط قانونية تخضع لها، سوى العرض والطلب». 

مهن لازمة لإعادة الإعمار

ستشكل المهن اليدوية الكفؤة عنصر مهم في مرحلة إعادة الإعمار السورية، والتي سيكون لأصحابها الدور الكبير في إعادة إعمار ما هدمته الحرب، مضافاً إليها الخبرات المعمارية والهندسية والفنية، والتي تتكامل مع المهن اليدوية، إذ يقول "يوسف محمد" بإنّ «سوريا تحتاج إلى الكثير من المهن اليدوية الخبيرة والتي ستكون عماد إعادة الإعمار»، مشيراً إلى «أنّه لا يمكن للخبرات الأكاديمية والفنية أن تفعل فعلها، دون مهن يدوية تتكامل معها في إنجاز إعادة الإعمار». 

وربمّا تحتاج تلك المهن، ومن يعمل بها، إلى الحفاظ عليها، ومحاولة إعادة الكثير منها، التي هُجرت بفعل الحرب، كما لا بًد من توفير الحماية الحكومية، والتأمين الصحي والنقابي للمشتغلين بها، بدلاً من بقائها مهن تعمل بدون ضوابط في بيئة عمل غير مستقرة بفعل دخول وخروج الكثير من العاملين فيها، ما يفقدها الكثير من الأيدي العاملة التي تعتبر ثروة في بلد خارج من حرب طويلة.

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: