Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

اللا مكان!

اللا مكان!

جوان ملا

 

هي قصةُ كل يوم، تبحث لها عن مخرج فتجد نفسك في الداخل أكثر.

هُنا! في منتصف هذه البلاد المشبعة بالهموم، تمر من ذاك الشارع الرمادي، الازدحام يخنق الوجوه، والكتل الإسمنتية تزيد من التدافع، ميكروباصات، سيارات، وناس، الكثير من الناس، كلٌّ يفكر بنهاره الروتيني، بذات الصباح، ونفس المساء.

في هذا الشارع حديقة، ملأى بالجرذان، شاركهم المهجرون أيامَ الموت طعامهم، كنتُ أمرّ كل يوم تقريباً بين الجثث الحية هذه، التي تنتظر بارقة سماء، أو ربما قذيفة تهوي عليهم، لتنهي ألماً لا يتوقف نزفه، كان مجمّع "يلبُغا" يراقبهم صامتاً هزيلاً، فهو تعرى منذ أزمان، ولم يكسُه أحدٌ حتى اليوم.

هو شارعٌ في منتصف هذه العاصمة العرجاء، التي شاخت من شدة قِدَمِها، يفتقد لكل مظاهر الحضارة، عشوائي متخبط، مليء بالعثرات، والنشالين، والمهمومين، لا أحد ينقذه أو يعتني به، فهو كحالي وحالكم، تغضّنَ وجهه من شدة التعب، ومن كثرة التكرار، لا تستطيع إنقاذه وإنقاذ من قطَن فيه وجعَل منه مأوىً، أو مركزاً لبيع حاجياته البخسة على "بسطة" تعيل أسرته المنكوبة.

وبعد استعادة شبه السلام، غادر المنكوبون "منتجعهم"، وعادوا إلى قراهم مشبعين بالبرد وعوادم السيارات، وبقي منهم من لم يجد منزله قابعاً مكانه، بل صُدِمَ بكومةِ ركامٍ وغبار، فظلّ متعلقاً في هذا الشارع، اللا مكان والمكان في آن!.

في هذا المكان، هُنا! في منتصف هذه البلاد المشبعة بالهموم، أمرّ من ذاك الشارع الرمادي، أحاول أن أمدّ يد العون، فأجد نفسي داخلاً، عالقاً بين سواد الواقع والحُطام.

 

المصدر: خاص

شارك المقال: