Sunday May 12, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

الكثير من الحجج يسمعها المواطن يومياً

الكثير من الحجج يسمعها المواطن يومياً

 حبيب أديب شحادة 

يُرجع كثير من الباحثون ما حصل في سوريا في جزء كبير مِنه إلى الاختناق المؤسسي، حيثُ مضت سنوات من الكلام عن الترهل الإداري والفساد ومكافحته والإصلاح وضرورته، مع ذلك، ما زالت الإدارة السورية تُراوح مكانها والمواطن السوري يُعاني من قراراتها الارتجالية وليدة اللحظة.  

انحرافات سلوكية شاذة أضحت تحكم مسار الإدارة العامة السورية، منها يرتبط بتدني المستوى العلمي والثقافي للعاملين (خاصة في الجوانب التنظيمية والإدارية)، ومنها عدم استخدام الكفاءة كمعيار لاختيار العاملين للمناصب الإدارية العليا، مضافاً إليها تدني المستوى العام للأجور والتضخم والبطالة.

كما أنّ تركيبة السلطة الادارية، وكيفية الوصول إليها والخروج منها، أنتجت منظومة يمكن تسميتها "مؤسسة الفساد"، غير القابلة للكسر أو الإصلاح بالترقيع.

ضمن هذا الواقع وهذه المعطيات تحدث أمور إدارية في أغلب المؤسسات وفق قاعدة " البقاء على الكرسي للأقوى وليس للأكفاء" وهذا ما حدث في إحدى المؤسسات الثقافية فقد تم تغيير مفصل إداري فقط ليحل مكانه شخص قوي. "قوي بفعل فساده وليس كفاءته". كما أنّه يكفي أنّ تُرفع سماعة هاتف لتتغير إدارات بكاملها، أو لتتم عملية المداورة بين الإدارات وفقاً للإداري المدعوم، وليس وفقاً لاستراتيجية ورؤية واضحة.  

والجدير بالملاحظة أنّ سوريا خسرت ما يقارب ثلاثة عقود في مجال التنمية البشرية المرتبطة بشكل دقيق بالإصلاح، وبقيت عملية مأسسة الفساد قائمة ومستمرة وتتمدد في بيئة خصبة تُفرخ الفاسدين من حولها. 

وعلى الرغم من أتمتة بعض الخدمات ، إلا أن الحال لم يختلف كثيراً، حيث أنّ المواطن يحتاج ما يقارب الساعة للحصول على ورقة غير موظف، وساعات كي يدفع رسوم للتسجيل بالجامعة في المصارف المخصصة لذلك، ناهيك عن الحجج الحاضرة دوماً لدى موظفين مراكز الخدمات " ما في شبكة، النت واقف، تعال بكرة "، الكثير من الحجج يسمعها المواطن يومياً على الرغم من أنّ الهدف الأول كان من جميع هذه المراكز متجلياً وواضحاً في اسمها و هو خدمة المواطن والتخفيف من أعباء الانتظار و الروتين والزيارات المتكررة لتحصل على ورقة دون طابور طويل من الانتظار. 

إلا أن النتيجة لم تكن كما هو مرسوم من البداية، فالتخبط الإداري الذي تعيشه الإدارة العامة السورية بكافة مفاصلها اليومية والاستراتيجية يزيد الطين بلة ويعرقل يوميات المواطن المعرقلة أصلا، بعد سنوات من الضخ الإعلامي وكأننا نريد اختراع البارود من جديد.  

فإن دخلت مؤسسة حكومية وكأنك دخلتها كلها حيث لن ترى سوى الفوضى والبيروقراطية الشديدة. ناهيك عن الإعفاءات الإدارية من المنصب دون ذكر الأسباب، وعن التراجع عن بعض القرارات الإدارية في غضون ساعات من اتخاذها.  وعن قرارات رفع الأسعار في يوم الخميس تحديداً ليحتفل الشعب مُغنياً "هلا بالخميس".

واليوم وبعد تسع عشر عاماً من سيرورة الإصلاح الإداري، حال الإدارة السورية ليس بأفضل حال من العربة التي تمتلك محرك جيد (التكنوقراط والخبرات) ولكن دواليبها (آليات الإصلاح) اهترأت من كثرة الترقيع المستمر، وأضحت بحاجة للاستبدال النهائي أو الإحالة للتقاعد. كونها أوصلت السوريين إلى مرحلة من البؤس الشديد حيال إمكانية تبديل هذه الدواليب التي لم يبقى بها مكان للترقيع. 

 ربما ما زالت فكرة الإدارة العامة والتي تُلخص بتقديم الخدمة للمواطن، بعيدة عن تفكير الإدارة السورية التي استغرقت سنوات من الحديث عن الإصلاح دون نتيجة، كونها ابتعدت عن معيار هذا الإصلاح ومدخله الرئيسي والذي هو خدمة المواطن ففي حين استغرق فيكتور هوغو 17 عاماً في كتابه البؤساء قبل خروجه للنور عام 1862، حيث أنه حافظ طيلة ال 150 عام على جماهيريته بفرادة خصائصه الغنية، بقيت الإدارة السورية محافظة على بؤس مواطنيها بسنوات تفوق السنوات التي استغرقها هوغو للخروج بكتاب البؤساء.  ولعل الرابط الوحيد لذلك هو استمرارية بؤس المواطن السوري.

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: