الجزيرة بلس .. آخر العنقود في امبراطورية قطر الإعلامية
فارس الجيرودي
"الجزيرة بلس AJ+" قناة رقمية تبث محتواها عبر اليوتيوب والفيس بوك، أطلقتها قطر منذ عامين من مدينة "سان فرانسيسكو" بالولايات المتحدة، حيث يقع مقرها، بدأت "الجزيرة بلس" بثها باللغة الإنجليزية، ثم ظهرت النسخة العربية لاحقًا، لتنضم القناة الرقمية إلى الإمبراطورية الإعلامية الضخمة التي تمتلكها مشيخة قطر، والتي تتألف إلى جانب قناة الجزيرة الفضائية وملحقاتها من سلسلةٍ من مواقع بوست: «هافينجتون بوست، عربي بوست، ساسة بوست، نون بوست»، ومواقع «عربي 21 والمدن وإضاءات الالكترونية»، وفضائيتي «العربي، والشرق» وجريدتي «العربي الجديد والقدس العربي».
وتستخدم قطر في برامج وليدها الإعلامي الجديد "الجزيرة بلس" فريقاً شبابياً من ناشطي ما سمي بـ"الربيع العربي"، حيث يعتبر هؤلاء «الثورة» مرادفاً لتمكين الإخونج أو إشراكهم على الأقل في الحكم، فيما تصنف أي ممانعة لذلك المخطط من قبل خصوم الإخوان السياسيين «استبداداً وسلوكاً قمعياً»، كما تظهر برامج القناة تأييداً مفرطاً للجماعات المسلحة التي تقاتل الدولة السورية، وتبنياً كاملاً لروايتها لأحداث الصراع السوري.
ويستطيع المتابع لآخر ما نشرته صفحات عددٍ من معدي برامج القناة على "تويتر" أن يكتشف على سبيل المثال: عداء هؤلاء الصريح لعودة دمشق إلى الجامعة العربية، وإدانة كاملة للنظام الرسمي العربي في حال قَبِل بذلك! (طبعاً بما يتفق مع آخر تصريحاتٍ لوزير الخارجية القطري بخصوص الموضوع)، هذا في وقتٍ لا تكاد تنقطع فيه زيارات الوفود الإسرائيلية سواء السياسية أوالرياضية للعاصمة القطرية، دون أن يثير ذلك حفيظة هؤلاء.
تمويل "AJ+" سخيٌ جداً، ومستوى إخراج فيديوهاتها غايةٌ في التميّز والاحترافية، سواءٌ تلك التي يكون بطلها أحد المقدمين من فريق القناة، أو التي تقدّم محض معلوماتٍ ثقافية وسياسية، أما المحتوى فهو مُوجّه مئةً بالمئة بما يتفق مع مصالح محور الدوحة -أنقرة، الذي يستخدم جماعة الإخوان المسلمين وتفرعاتها، كأداة لاختراق الساحات العربية أمنياً وسياسياً.
وتقدم القناة الرقمية الموجهة أساساً لفئة الشباب، عشرات الفيديوهات التي تعرض –بسلاسة وتلخيص– رؤيةً لكل مناطق الصراع والجذب في العالم بما يتفق مع مصالح ذلك المحور، لكن القناة تتبع في الوقت نفسه الأسلوب الذي سبق أن اتبعته الجزيرة الفضائية لاختراق الساحات العربية، حيث هناك دوماً هوامش من الحرية والتنوّع قد تمنع المتابع العادي عن ملاحظة توجهات القناة السياسية.
أما المجال الفكري العام لبرامج القناة، فهو ذو طابع إنساني واجتماعي يدعي الحياد، ويدخل ضمن الخلطة «الإخونج ليبرالية/ الما بعد حداثية» حيث تجد الإخواني الصريح، إلى جانب اليساري التروتسكي والليبرالي ذو الهوى الغربي، ويؤيد الجميع بالنتيجة التيارات الإخوانية تحت غطاء الالتزام بالديمقراطية، وهي خلطة صارت متكررة في أغلب وسائل الإعلام القطرية من الجزيرة ذاتها لعائلة بوست «هافينجتون بوست، عربي بوست، ساسة بوست، نون بوست»، وكذلك فضائية العربي، وصحيفة العربي الجديد، وستجد كل فيديوهات «الجزيرة بلس» تتأرجح ضمن تلك الخلطة، وقد يكون المحتوى محض ليبراليٍ خالص، لكن دون أن يتجاوز السقف التقليدي الإخونجي، وإن جرحه في بعض الحالات، فلا يكون ذلك إلا لمصلحةٍ سياسية ما، وبغرض جذب نوعيات جديدة من المتابعين.
وتبدو هذه الحالة الإعلامية الضخمة التي تكلف عشرات المليارات من الدولارات سنوياً، غريبةً جداً مقارنةً بحجم مشيخة قطر الصغيرة، فيما تفيد المعلومات بأن المسائل لا تدار من الداخل أبدًا، فهذه الامبراطورية الإعلامية لا تختلف أبداً عن قاعدة "العديد"، والتي تنفذ واشنطن استراتيجيتها العسكرية انطلاقاً منها منها على كامل مساحة "الشرق الأوسط"، دون أن يعني ذلك وجود إدارةٍ أمريكية مباشرة لتلك الوسائل الإعلامية، فالتوجيه تتكفل به شبكةٌ من المستشارين والمديرين والداعمين والمتصلين الغربيين، والذين بدأ أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني باستقدامهم منذ العام 1996، عندما تبرع لإطلاق مشروع قناة "البي بي سي العربية" من الدوحة وتحت اسمٍ عربي "الجزيرة"، واستقدم الفريق الذي تم تدريبه في لندن من أجل ذلك، و المؤلف من «فيصل القاسم، أحمد منصور، سامي حداد، جمال ريان، وجميل عازر».
طبعاً يشعر نظام عائلة «تميم بن حمد آل ثاني» أنه أنجز كل ما أنجزه من فتنٍ وخرابٍ تحت شعارات «الربيع والديمقراطية» بنفسه، وأنه قوى بذلك مركزه في المحيط العربي وخارجه، فيما هو واقعاً لا يقوم إلا بما رسم له من دورٍ ضمن الاستراتيجيات الاستعمارية الغربية في منطقتنا العربية المنكوبة.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: