بين الناس
الحزن متل الله موجود وين ما كان.. على خطى "الماغوط" ختيار في دمشق يخون وطنه
خاص/ حسن سنديان
وسط العاصمة دمشق، تحديداً في منطقة المهاجرين.. يقف مسن ستيني منذ نصف ساعة وأكثر يتأمل بعينيه المتجعدتين ملياً، "السرافيس" على أمل الحصول على مقعد له يحفظ كرامته وما بقي من عمره للوصول إلى إحدى الدوائر الحكومية.. توقف الباص عند إحدى إشارات المرور.. لكنه كان مكدساً بالركاب، لم يفكر المسن الستيني إلا بالانقضاض على الباص ويبدأ بفتحه دون أن يأبه لأي شيء.
بعد محاولات عديدة تمكن خلال 60 ثانية أن يفتح الباب ويضع قدمه للدخول.. الصورة ضبابية في الداخل.. الركاب لا يستطيعون التنفس.. "يا حجي وين بدك تطلع ما في مطرح" كانت ردة فعل أحد الركاب عندما شاهد عناد المسن، ليرد عليه " معي السكر.. صرلي ساعة واقف".. ومن ثم يختفي المسن.
بدأ بالبكاء والشتم على الحكومة ووضع البلد وهو على الأرض بعدما وقع على وجهه.. ثار الركاب من أجل المسن.. "بدي لحق الدوائر الحكومية مشان تعويضي بعد التقاعد" هكذا كانت كلماته التي طغت على شدة الألم.. ويبدأ "بالكفر" بعدها غير آبه.. لينزل أحد الشبان ويضحي بمقعده من أجل المسن عله يحصل على توقيع تقاعده الذي يحفظ شيبته أو ربما كرامته التي ربما ضاعت بالحصول على ربطة خبز أو ربما مقعداً في الباص" وكيس سكر وأرز.
يقول الشاعر والكاتب السوري محمد الماغوط " الحزن متل الله موجود بكل مكان".. هذا المسن جسد كلام الماغوط بوجوديته الذي يشبه الله في كل مكان، وخصوصاً في سوريا.. بالرغم من توجيه بعض الشتائم المشفرة للحكومة، وسب الذات الإلهية إلا أن المسن يجسد صورة الله على الأرض، هذا الحبس الكبير في سوريا، كأنه "المهجع رقم 4" بسجن المزة الذي كان محبوساً فيه الماغوط ويقابله في "المهجع رقم 5" الشاعر علي أحمد إسبر "أدونيس"، في ذات السجن لم يتوقف الثنائي "الماغوط و"إسبر" من تجسيد المسرحيات السياسية الساخرة، خصوصاً بعد رسالة أبيه إلى مدير السجن والتي قال فيها" ارئفوا به فحالته الصحية لا تساعده" لتوضع بعدها في لوحة الإعلانات ويقرأها المارة بسخرية.
الماغوط جسد حالة المسن عندما شتم الحكومة لحظة وقوعه على الأرض من شدة حزنه وألمه عندما خرج من السجن واستمر في الكتابة عن الخوف الكبير القابع في داخله بالرغم الإفراج عنه يقول.. إذا حدا دق الباب بالليل ما بفتح بقول بدون يجو ياخدوني"، على العلم من أنه محمي من الدولة السورية، وحاصل على عدة أوسمة.. فهل سنخون وطننا مثل الماغوط من أجل الحفاظ على ما بقي من كرامة ولقمة العيش أم ستودي بنا الأمور في نهاية المطاف بالسجون؟.
توفي الماغوط ولايزال الحزن موجوداً في داخله حتى لحظاته الأخيرة.. وبالرغم من كتابته السياسية الساخرة إلا أنه اختار كرسيه العتيق ومسبحته ليعود كما كان وهو يعلم أنه سيموت في وطنه إما جائعاً أو أوسجيناً.
المصدر: خاص
شارك المقال: