Monday April 29, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

الحرب النفسية عندما ترتد لصدر صنّاعها

الحرب النفسية عندما ترتد لصدر صنّاعها

فارس الجيرودي

برهن السيد "حسن نصر الله" مرةً أخرى قدرةً مجهريةً على قراءة تحركات العدو الصهيوني بتفاصيلها الدقيقة، وصياغة خطابه بناء على تلك القراءة، مما مكنه دائماً من إعادة توجيه نصل الحملات النفسية التي تشنها حكومة العدو إلى صدرها وصدر مجتمع المستوطنين الإسرائيليين، فالمتابع لحديث أمين عام حزب الله، يشعر أن عملية «درع الشمال» ليست سوى زوبعةٍ في فنجان ضخمها الشريكان: رئيس الحكومة المطارد بقضايا الفساد والمتهم من قبل وزير دفاعه بالتراجع عن المواجهة مع غزة "بنيامين نتنياهو"، ورئيس أركانه المنتهية ولايته "غابي آيزنكوت" والمحتاج لإنجازٍ شخصي يختم به حياته العلمية.

فما شغل به المسؤولان الإسرائيليان طوال شهر كامل المستوطنين في منطقة شمال فلسطين المحتلة، أثبت بنتيجته النهائية أن هم إسرائيل الأكبر في الحرب المقبلة مع محور المقاومة بات الدفاع عن منطقة الجليل ومستوطناتها في وجه هجومٍ قادمٍ لحزب الله، بدل التفكير بنقل الحرب إلى أراضي الدول العربية بعيداً عن العمق الصهيوني، كما كانت عليه العقيدة العسكرية الإسرائيلية لعقود طويلة منذ «قيام الدولة العبرية»، بالتالي ومقابل تدمير أربع أنفاق ثبت أنها أنفاق قديمة، ربما حفرت في فترة وجود فصائل منظمة التحرير الفلسطينية جنوب لبنان، أو خلال فترةٍ لاحقة، أثبت نتنياهو ورئيس أركانه ما صار يعرف بـ«وعد الجليل» الذي أطلقه السيد حسن منذ سنوات. 

الخطوة الأخرى التي أقدمت عليها حكومة العدو خلال الأسابيع الماضية وفي نفس سياق الحرب النفسية، كانت التجرؤ على المجاهرة ولأول مرة بتبني ما زعم نتنياهو أنها «مئات العمليات التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا بهدف منع وصول صواريخ دقيقة لحزب الله»، السيد "نصر الله" رد بأن ما يدعيه نتنياهو من إنجاز غير مسبوق في سوريا، الهدف الرئيسي منه إخفاء سقوط رهان "بنيامين نتنياهو"  الشخصي خلال السنوات الماضية على الجماعات المسلحة التي سلحها ورعاها في الداخل السوري، تلك الجماعات التي اعتقد نتنياهو أنها ستؤمن قطع الأتوستراد السريع لنقل الصواريخ والسلاح، الاتوستراد الذي تحدث المسؤلون الإسرائيليون أنفسهم عن افتتاحه بين طهران-بغداد-دمشق-بيروت، فأكد السيد للمرة الثانية أن «المهمة أنجزت وأن الأمر تم وأن الصواريخ الدقيقة وصلت بأعداد كافية»، واستكمل قصفه النفسي للصهاينة معتبراً أن امتلاك حزب الله للصواريخ الدقيقة، هو من مصلحة المستوطنين الصهاينة الذين ستسقط الصواريخ غير الدقيقة على رؤوسهم في الحرب المقبلة، لو لم يمتلك حزب الله السلاح الدقيق الذي يستهدف به القواعد العسكرية الإسرائيلية.

لكن أهم ماورد في كلام السيد فيما يخص المواجهة مع العدو الصهيوني، كان إعلانه استعداد محور المقاومة رفع التحدي لمستوى الحرب، في حال أصر نتنياهو على الاستمرار في «اللعبة الخطرة التي تمارسها طائراته منذ سنوات في سوريا»، موضحاً أن أولوية دمشق خلال السنوات الماضية كانت حسم الصراع مع الجماعات المسلحة في الداخل السوري، معتبراً أن وضع الدولة السورية اليوم في مواجهة تلك الجماعات، هو الأفضل على الإطلاق منذ بدأ الصراع، فحليفا واشنطن الرئيسيان على الساحة السورية، تركيا و "قسد" دخلا صراعاً لا تسوية فيه، حله الوحيد عودة الدولة السورية للسيطرة على منطقة شرق الفرات طال الزمن أو قصر، كما أن سيطرة "جبهة النصرة" فرع القاعدة في سوريا على ادلب وغرب حلب، ينهي أي فرصة لقبولٍ دولي ببقاء هذا الجيب خارج سيطرة الدولة السورية، فالجماعة مصنفةٌ من قبل معظم دول العالم كتنظيم إرهابي، لا حل سياسياً ممكنٌ معه، بالتالي وبحسب "نصر الله"، صارت مسألة عودة الدولة السورية إلى بسط سيادتها على كل أراضي الجمهورية مسألة وقت، مما يحرر يد دمشق للرد على التحرشات الإسرائيلية. 

واتساقاً مع المقولة الاستراتيجية الشهيرة التي أطلقها أمين عام حزب الله سابقاً «سنكون حيث يجب أن نكون» لم تقتصر الحرب النفسية التي شنها خلال اللقاء التلفزيوني الأخير، على قصف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، بل تعداها لقصف جبهة محور حلفاء واشنطن في المنطقة، كاشفاً بالمعلومات تفاصيل حالة الإحباط والانهيار والتداعي التي زلزلتهم إثر قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب عسكرياً من سوريا، معتبراً أن «الأمريكيين لن يستطيعوا فعل أكثر مما فعلوه، وأنهم سيغادرون سوريا والمنطقة».

وبينما أطلقت فضائية الميادين على اللقاء التلفزيوني مع السيد اسم «حوار العام 2019»، تبين أن أكثر الأطراف اهتماماً بمتابعة اللقاء كانوا من الإسرائيليين، جمهوراً ومحللين ومعلقين سياسيين، وهم لم يكتفوا بتحليل تفاصيل الحوار، بل بتحليل الديكور والبحث عن معنى اللافتة الصغيرة فوق رأس السيد، حيث كتبت الصحفية الإسرائيلية  "يمريت مئير": «على اللافتة الصغيرة فوق رأسه ، يقتبس نصر الله آية من القرآن الكريم (ادخلوها بسلام آمنين)، هل يريد أن يشير إلى دخولٍ سلسٍ إلى إسرائيل على الرغم من اكتشاف الأنفاق؟!!!».

يحدث هذا بينما لا زال القطاع الأوسع من الجمهور العربي غارقاً في غياهب التضليل والتيه الذي أدخلته فيه امبراطوريات الإعلام الخليجي الضخمة، بعيداً عن اكتشاف قيمة القائد الذي يختصر في رمزيته أذكى وأفعل حركة تحرر عربية أنجبتها الأمة في العصر الحديث. 

  

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: