الحكومة والصحافة.. عتب الكنة والحماية !
محمود عبد اللطيف
كان رئيس الحكومة المقال "عماد خميس"، قد سجل سابقة تاريخية حينما عتب على وسائل الإعلام لكونها لا تنقل ما تفعله الحكومة من إيجابيات للمواطن، إلا أن الأخير الذي يعد بوصلة الصحافة في سوريا -كما هو مفترض-، لم يلمس إيجابية واحدة حتى الآن من الحكومة، وبالتالي لم يكن للإعلام الرسمي منه وغير الرسمي أن ينقل إيجابية من التي تحدث عنها "المُقال"، وليس الأمر محاولة لتفنيد ما قاله "خميس"، لكن هل تعتبر الحكومة إن الإعلام واحدة من الأدوات التي قد تستفيد منها حقاً في تصحيح أخطاءها، وهل يعتبر السادة الوزراء إن العمل الصحفي في سوريا مهم..؟
غالبا ما يكون عتب المواطن على الصحافة لكونها مقصرة في نقل السلبيات التي تحدث في هذه المنطقة أن تلك من الجغرافية السورية، لكن المواطن يعرف تماماً إن الصحافة لا تمتلك العصا السحرية التي يمكن أن تجعل من السادة الوزراء يتجاوبون مع السلبيات بشكل دائم، فلو إن صحفياً ما أجرى تحقيقاً حول ملف تراكم القمامة في حي من دمشق أو سواها، لوجدنا أن البلدية المسؤولة عن الحي تتجاوب وتقوم بمعالجة الأمر ولكن بشكل آني للأسف، فبعد فترة ستعود المشكلة ذاتها إلى المكان ذاته، وسيحتاج الأمر إلى إعادة الكتابة عن المشكلة نفسها، وهذا ينسحب على بقية قطاعات الخدمات في سوريا.
يجب أن نعترف إن الوزراء عموماً يهتمون بإظهار ما يقومون به من إيجابيات لوسائل الإعلام دون أن يكون لديهم القدرة على مواجهة الإعلام بالسلبيات التي تحدث في وزاراتهم، والأمر يذكر بالمثل القائل "ماحدا يقول عن زيتو عكر"، فإن كتب الصحفي عن منجز حكومي ما في أي مسائلة سيكون هذا الوزير أو ذاك المسؤول مرحباً بدور الإعلام في نقل الصورة الحقيقية، أما إن سلط الصحفي الضوء على مسألة تحدث داخل مشفى أو في مؤسسة خدمية ما، فسيكون أمام ضرورة الإجابة على سؤال "من سمح لك بالتصوير داخل المشفى"، وهذا أمر طريف في جانبه، فالصحفي مطالب بالحصول على موافقة لإظهار السلبيات، في حين أن من الحكومة تجد أن من واجب الصحفي أن يظهر إيجابيات ما تقوم به الحكومة، حتى أن المواطن يشعر بأن أعضاء الحكومة يمنون عليه حين ينفذون واجباتهم المنوطة بهم منذ لحظة تسلمهم الحقيبة الوزارية التي كلفوا بها، والطريف أكثر إن الوزارات جميعا تعتبر أي وسيلة إعلامية تسلط الضوء على تقصير هنا أو إهمال هناك، بأنها وسائل إعلام شريكة في المؤامرة على سوريا، وبتصريح بسيط تتحول الوسيلة الإعلامية الناشرة لأي تحقيق أو خبر عن سلبية ما، من وسيلة وطنية إلى وسيلة تعمل على هدم الثقة بين المواطن والحكومة.
المشكلة في أن الحكومة التي تعاقبت خلال مرحلة الأزمة السورية لم تمتلك حتى القدرة على الاعتراف بالتقصير، دائما ما يقول المسؤول إن الأمور في مكان مسؤوليته في أحسن أحوالها، وإن كان ثمة تقصير فهو ناتج عن العقوبات المفروضة على سوريا، فهل من المعقول أن كل الحكومات والوزراء المعينين فيها على الرغم من كونهم أكاديميين، ومحاطين بكوادر من المفترض إنها أكاديمية لم تمتلك ولو لمرة واحدة خطة طوارئ لأي أزمة من الأزمات التي تتكرر، ولم تمتلك ولو لمرة واحدة القدرة على التفكير بعقلية منفتحة والتعامل مع السوق ولو لمرة واحدة بعقلية التاجر وتسمح لنفسها بأن تدخل سوق المنافسة مع حيتان السوق لتحقق مسألتين هامتين الأولى تتمثل بتأمين متطلبات المواطن بأرخص الأسعار والثانية تحقيق مرابح مالية تعد الخزينة بأمس الحاجة إليها في هذا السوق..؟، ما الذي ينقص الحكومة لكي تتحول بعلاقتها مع الإعلام من "عتب الكنة والحماية"، إلى علاقة تكاملية، تكون فيها الصحافة مرآة لنقل ما يهم المواطن، وتستفيد الحكومة من ذلك بإيجاد حلول دائمة لأي مسألة تهم الطبقة التي باتت ذات "دخل مخنوق".
المصدر: خاص
شارك المقال: