"البسطات" لا تفنى ولا تستحدث من العدم
خاص
كريم مهند شمس
باتت أرصفة الشوارع تشكل جزء كبيراً من جسد أحمد وذاكرته، فبعد أن علكته البطالة وأنهكت المهن اليدوية أضلعه ورفضته كل الشركات لتدني تحصيله العلمي ومخزونه من "الواسطات" كذلك، امتهن البيع الحر على أطراف الأسواق، حيث اعتاد أن ينطلق منذ الصباح الباكر من منزله في العشوائيات إلى بسطته المخالفة ويبقى ينده أمامها "القطعة بألف" حتى نهاية يومه، وهو متأهب بأية لحظة لحزم بضاعته والجري هرباً من دورية أو "كبسة" ما.
شهدت شوارع دمشق في الأيام القليلة الماضية حملة موسعة نفذتها المحافظة لإزالة الأكشاك غير المرخصة والمخالفات لأنها تشكل تعدياً على أملاك الدولة وتعيق حركة المواطنين وتشوه المنظر العام، وفقاً لتصريح عضو المكتب التنفيذي لقطاع التجارة والصناعة والاقتصاد بمحافظة دمشق مازن الدباس الذي أشار أيضاً إلى أن المحافظة "تدرس إمكانية إحداث منطقة خاصة بالبسطات خلال فترة قريبة جداً".
ووفقاً لأحمد، فإن هذه الحملة لم تعر أدنى اهتمام أن لهؤلاء المخالفين عوائل يجب إطعامها والإنفاق عليها، وأنهم لو وجدوا سبيلاً آخراً للرزق لما خالفوا لتأمين لقمتهم، متمنياً لو طرحت المحافظة خطتها تلك لتخصيص مساحة ما من الوطن لتجميع هؤلاء الدراويش تحت سقف واحد قبل البدء بحملة الإزالة.
ولو أنها فعلت لما كان "المخالفون" جالسون في منازلهم الآن بلا مصدر رزق ريثما تنتهي محافظة دمشق من دراستها لإمكانية بناء ذلك السوق. لتكن بذلك عملية إزاحة وتجميع للحفاظ على حضارية المشهد، بدلا من كونها إزالة، ومع ذلك لا تزال تلك البسطات موجودة بذات الكثافة تقريباً في شوارع المدينة المعهودة.
وكنتيجة منطقية لإزالة المخالفات قبل التوضيح لأصحابها مصير أبواب رزقهم، بدأت البسطات البديلة تظهر تباعاً بأماكن متفرقة من المدينة حتى تم رصد أحدها بواحد من أفخم أسواق العاصمة التجارية (لن نذكر اسم الشارع حتى لا نكون خربنا بيت الزلمة بدل ما نساعدو)، ورغم اعتياد صاحبها أحمد على رياضة "الضب والجري" من الدوريات، لكن تواجده في "أحياء الأكابر" سيضعه حتماَ أمام مشاكل مضاعفة فيما لو قُبض عليه متلبساً وهو يحاول لقط رزقه على هامش القانون والوطن.
ولتلك المخالفات رواد وزبائن سيلحقونها ولو لآخر الدنيا في ظل حالة الفوضى السعرية المتفشية بأسواق العاصمة، حيث يمكن لك أن تجد ذات الحذاء مثلاً في سوقي الصالحية والشعلان بسعرين مختلفين، وستجده ذاته بمكان آخر بسعر ثالث أقل من سابقيه وهكذا، فما يحكم أسواقنا اليوم هو سياسة التسعير الفردي وتقسيم إيجار المكان على رأس المال وضربه بنسبة هامش الربح المتوقع، إضافة إلى أن إيجار أرخص محلات دمشق لا يقل عن ثلاثة ملايين ليرة سورية سنوياً، وهو ما يخرج محدودي الدخل وأبناء الطبقة المتوسطة من المنافسة التجارية بشكل آلي، وهنا يضطر الفقراء للمخالفة في سبيل البقاء.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: