البرامج الدينية في سوريا.. فخ استقطاب العقول وتصبير الناس على الحكومة
خاص/ حسن سنديان
الساعة الرابعة عصراً بتوقيت دمشق، استقليت باص "مهاجرين صناعة" كي أصل إلى عملي، ربما اعتدت على سائقي الباص أن يضعوا الأغاني الصاخبة، لكن كانت هذه أول الكلمات التي سمعتها فور ركوبي، "وناخود اتصال هاتفي ألو.. ممكن احكي مع شيخي؟"، هنا المتصل لا يهمه أبداً مقدم هذا البرنامج، بل فوراً يريد الوصول إلى الشيخ. هذه إحدى بدايات البرامج التي تبث على بعض الإذاعات السورية.
يبدأ المتصل الاستشارة، والتوتر يسيطر على صوته.. "شيخي أنا بعدت عن المنكر المشروب الكحولي.. بس ولاد آدو ما عم يصدقوني"، وهنا الشيخ يعلو صوته منبهراً "ياعيني على الله ما أحلاه".. ويبدأ بالإطراء على هذا الإنجاز الذي حققه المتصل، إلا أن اتصال "أم خالد 56 عام" أربك الشيخ نوعاً ما بعد شكواها الخلاف مع زوجها بسبب سوء الأحوال المعيشية.. ليرد الشيخ برزانة وبالفصحى هذه المرة "عليكِ بالصبر يا أم خالد".. ويبدأ بسرد ما يمر به الوطن من محنة وغلاء معيشي، كلام ربما اعتادت "أم خالد" على سماعه.. وجوه الركاب امتعضت لوهلة من كلام الشيخ وارتسمت الابتسامات الساخرة على وجوههم من كلام "مولانا".
أراد الشيخ أن يعطي حلاً يقنع فيه مستمعيه، فاستبدل الغلاء بالجنس بعد محاصرته من أم خالد "الأحوال على قدها".. ليخرج "مولانا" بالحل الفوري: "طبخة بقوليات وتفاهمي معو.. الرجال بعدو بخيرو يعني شمعة من هون جو من هون بيزبط الوضع".. ليصبح الجنس على ما يبدو حلاً مثالياً للفقر عند بعض رجال الدين الذين يريدون أن يلمعوا صورتهم في برامج إذاعية، باتت تعطي شهرة لامعة لهم، ناهيك عن جمع التبرعات على الهواء مباشرةً.
الخطاب الإعلامي الديني وفخ استقطاب العقول بالسياسة
باتت هذه البرامج الإذاعية، باباً للنجومية والشهرة لبعض خطباء المساجد في سوريا، عبر إدخال الدين بالسياسية، على الرغم من أن سوريا بمفهومها دولة علمانية، ما يعني فصل الدين عن الدولة بكل مفاصله فالسياسية معروفة بفن الممكن والسياسة والأخلاق لا يلتقيان أبداً، لا يوجد في عالم السياسة عقائد راسخة ولا منزهة فكل شي قابل للاتفاق وكل شي قابل للنقض، فيجري هؤلاء الشيوخ مع مجريات السياسة التي تتبعها البلاد، فيبدأ الخطاب الديني باستجرار العقول تبعاً لمجريات سياسة البلاد ويتغير بدءاً بتغير هذه السياسة، ولكن عندما تتعرض البلاد لأزمة اقتصادية بعد حرب دامت لأكثر من 10 سنوات يخرج هؤلاء الشيوخ في دورهم الثاني، الصبر والسلوان وإيجاد حل لأزمة الفقر بالزواج أو بالعلاقات الجنسية بين الزوجين لحل الخلافات الأسرية، التي سببها الأساسي الفقر.
هذه العملية نجحت في أول الحرب السورية، في استقطاب عقول الشباب، والاحتقان الطائفي عبر حلقات المساجد التي، خفيت عنها الرقابة نوعاً ما، لكن هذه الحلقات انتقل شيوخها إلى المنابر الإعلامية، واستقطاب أوسع لهذه العقول الشبابية، وهنا تحولت من الخطاب الديني التوجهي إلى تصبير الشعب على الحكومة التي لطالما أثبتت فشلها في التعامل مع الأزمات الاقتصادية في سوريا.
الإعلام بين الرقابة والفشل
مع بداية الحرب السورية عام 2011 خرج مفتي سوريا بدر الدين حسون بخطاب هدد فيه بإرسال جهاديين إلى أوروبا وفلسطين في حال سقطت أول قذيفة على سوريا، الأمر الذي فتح باباً لأوروبا لاعتبار سوريا بلداً غير آمن ويحتوي على "إرهابيين"، هذا الخطاب تكرر نفسه عام 2020 عقب مؤتمر عودة اللاجئين إلى سوريا، حيث احتل المشايخ المنابر الإعلامية للبدء بالدعوة إلى العودة بأساليبهم الخاصة واستناداً إلى الأحادايث والآيات القرآنية،.. الأمر الذي زاد الطين بلة أيضاً خطاب وزير الأوقاف عبد الستار السيد في أحد مساجد طرطوس قبل عدة أشهر "بنفي الأمة السورية من المجتمع"، ما جعل البعض يفسر خطاب السيد بأنه لا يعترف بمكونات الشعب السوري وحضاراته، بل شدد حينها على اعتبار سوريا أمة عربية فقط، ليثير الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
في المقابل، تلعب وزارة الإعلام في سوريا دورها الإقصائي على بعض الوسائل التي تسلط الضوء على الفشل الحكومي، وسوء إدارة الحكومة في إدارة الأزمة، والصحافة الاستقصائية التي باتت معدومة في سوريا، الأمر يفسر بغياب رقابي إعلامي على هؤلاء المشايخ الذين يشكلون خطراً كبيراً، أو ربما توافق الوزارة على ظهورهم بحسب الرضى عنهم.
المصدر: خاص
شارك المقال: