!الاقتصاد السوري يخسر 3368 مليار ليرة
آلان كرد
كلٌ يغني على ليلاه، ويحاول توجيه البوصلة إلى غير محلها عند الحديث عن الطبقة الفقيرة، أو يقتصر على تقديم صورة جزئية عن أسباب إفقار السوريين.
ماذا تقول الحكومة والسلطات التشريعية؟
لا نعرف بالضبط كم هي عدد الاجتماعات والتصريحات الحكومية والبرلمانية حول الفقر؟ أو ماذا نتج عنها؟ ولكن نستطيع ذكر أمثلة نقلاً عن وسائل الإعلام:
1- عقد اجتماع بين مسؤولي نقابات العمال مع رئيس الحكومة وبعض الوزراء بتاريخ 7/8/2016. ويتذكر السوريون التصريحات التي أدلى بها رئيس مجلس الوزراء في الاجتماع عندما قال: «نحن حكومة العمال والفلاحين والفقراء»!
2- بعد أكثر من عامين ونصف من تلك التصريحات، يعيش العمال والفلاحون والفقراء «أزمات الغاز والمحروقات»، ويجري الحديث عن رفع أسعار الخبز. في هذا الوقت بالضبط سمعنا تصريحات بعض أعضاء مجلس الشعب بأن الوزراء يعملون في خدمة المواطن ليل نهار! وعندما ارتفعت أصوات التذمر بين الناس بسبب الأزمات الاقتصادية الأخيرة، اتهم رئيس مجلس الشعب، جهات خارجية بالوقوف وراء ذلك!
3- بتاريخ 20/1/2019، اعتذر السيد رئيس الحكومة من المواطنين، وقال: «العقوبات الاقتصادية الظالمة التي تستهدف الشعب السوري تسببت بتأخر وصعوبة وصول السلع والمواد الغذائية والنفطية المستوردة وحصول نقص واختناقات في توافر هذه السلع».
تتحدث وسائل الإعلام الرسمية أن العقوبات الاقتصادية هي سبب «الأزمات المعيشية»، وليس ذلك سوى صورة جزئية، فالحصار الغربي ركب على السياسات الحكومية المستمرة منذ ما قبل الحرب وحتى اليوم، مما سبب الإفقار للشعب السوري، وسنذكر ذلك بالأرقام.
الحرب والحصار الجائر
وصلت نسبة من تجاوز خط الفقر 90 % من السوريين وفق تقديرات الأمم المتحدة لعام 2016، مقارنة بنحو 12.2% فقط قبل الحرب، ولعب الحصار الاقتصادي على سوريا دوراً كبيراً في ذلك حسب جريدة الأخبار.
أثرت العقوبات الاقتصادية على الميزان التجاري وأدت إلى انخفاض القدرة الشرائية، وبلغت نسبة البطالة 60 % حسب الدراسات الاقتصادية. كما ساهمت في تنشيط اقتصاد الظل واللجوء إلى تجار السوق السوداء نتيجة فقدان الكثير من المواد الضرورية.
خسر الاقتصاد السوري 3368 مليار ليرة. وأصاب الخراب قطاعات الزراعة والصناعة والصحة والتعليم والمواصلات، وشهدت البلاد موجات جنونية في ارتفاع الأسعار، وتراجع الاستيراد والتصدير، مما سبب فقدان الخطوط الرئيسية التي تغذي الاقتصاد.
سياسات الإفقار الحكومية
عملت الحكومات السورية المتعاقبة منذ 2005 على تطبيق السياسات الليبرالية في الاقتصاد، والتي وعدت السوريين بأنهار العسل والازدهار، بينما أدت السياسات إلى نتائج سوداء: تعويم الليرة السورية وربطها بالدولار، سياسة رفع الدعم عن المحروقات، تحرير التجارة، خصخصة قطاعات صناعية وزراعية وصحية وتعليمية، إغراق البلاد بالبضائع الأجنبية التي سببت إغلاق آلاف المنشآت الصغيرة بين عامي 2005 – 2010.
تراجعت سوريا إلى المرتبة 111 عالمياً في مستوى التنمية البشرية عام 2010، ورافق ذلك تدني نسبة الإنفاق على التعليم بنحو 2.3%. وتراجع الإنفاق الحكومي على الصحة من 245 دولار للفرد الواحد عام 2005 إلى 200 دولار عام 2010، بينما لم يرتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي أكثر من 5.5% مع انعدام التناسب بين زيادات الأجور وارتفاع الأسعار.
سبب رفع الدعم عن المحروقات تدمير الزراعة في أجزاء واسعة من الريف، وتبع ذلك ارتفاع أسعار الأسمدة ومستلزمات الإنتاج وهجرة الفلاحين. وسبب ارتفاع أسعار الكهرباء توقف المئات من المنشآت الزراعية والحرفية والصناعية.
قبيل سنة 1991، كان الناتج المحلي السوري يوزع كالتالي: 40 % لدعم الأجور و60 % للأرباح، بينما انخفضت نسبة دعم الأجور إلى 20 % وارتفعت نسبة الأرباح إلى 80 % بين عامي 2011-2018، مما سبب إفقار 90 % من السوريين.
حصل وضع مركب خلال الأزمة، وتحمل المواطن السوري نتائج الحرب والعقوبات الغربية والسياسات الحكومية، حتى تحول الراتب السوري إلى خامس أخفض أجر في العالم، بينما وصل متوسط تكاليف المعيشة حسب جريدة قاسيون إلى 300 ألف ل.س شهرياً، وبقيت الأجور في محيط 35-50 ألف ل.س.
هكذا، وبسبب الوضع المركب، عشنا أزمات الغاز والكهرباء والمازوت، وارتفاع أسعار المواد الضرورية والخدمات الرئيسية، وفرض الضرائب الجديدة. وبينما تقترب الحرب من نهايتها، تستمر السياسات الحكومية السابقة منذ 2005، ويتحمل 90 % من السوريين نتيجة ذ+-ل+9ك.
الناس والدستور والوعود الحكومية
يسمع الناس في كل مرة تصريحات ووعود «حكومة العمال والفلاحين» بتحسين الوضع المعيشي، مثل من يسمع جعجعة ولا يرى طحيناً. ونستطيع القول إن الأداء الحكومي يخرق المادة الثالثة عشرة من الدستور السوري التي كفلت للسوريين الأمور التالية:
«يقوم الاقتصاد الوطني على أساس تنمية النشاط الاقتصادي العام والخاص من خلال الخطط الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى زيادة الدخل الوطني وتطوير الإنتاج ورفع مستوى معيشـة الفرد وتوفير فرص العمل. تهدف السياسة الاقتصادية للدولة إلى تلبية الحاجات الأساسية للمجتمع والأفراد عبر تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية للوصول إلى التنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة. تكفل الدولة حماية المنتجين والمستهلكين وترعى التجارة والاستثمار وتمنـع الاحتكار فـي مختلف المجـالات الاقتصادية وتعمل على تطوير الطاقات البشرية وتحمي قوة العمل، بما يخدم الاقتصاد الوطني».
يعاني السوريون أزمات متلاحقة منذ سنوات، من انخفاض قيمة الليرة إلى الكهرباء والغاز والمحروقات والسكن والأجور الهزيلة، وعيونهم تبحث عن حلول للقضايا المفصلية التي تتحكم بحياتهم وتسبب لهم الفقر. كيف ومتى سيحدث ذلك؟ الجواب عند الحكومة.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: