"الأمة التي لاغنى عنها" تفقد صلاحيتها
وسام إبراهيم
بعد وصوله إلى الكرملين في أيار عام 2000، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وثيقة "أمن قومي" تحدّثت عن سعي موسكو إلى إعادة صياغة النظام الدولي، وتحويله من نظام أحادي القطبية إلى آخر متعدد الأقطاب.
التطورات اليوم على أكثر من بقعة في العالم تقول إن ميزان القوة يتغير لصالح قوى كانت قبل سنوات قليلة أقطاب دولية عديمة الفائدة، ضعيفة، منهكة، تلملم جراح الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي، دول كانت عاجزة حتى عن استخدام حق النقض "الفيتو".
الصعود الروسي خصوصاً ومعه قطب "البريكس" يقابله تراجع الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها في "الناتو"، وبعيداً عن السيريالية فإن الحديث عن انهيار أمريكا كدولة عظمى قريباً أو عجزها عن استخدام صلاحياتها في الأمم المتحدة هو كلام مبالغ فيه، لكن من المفيد أيضا القول بأن واشنطن لم تعد قادرة على التفرد بالعالم، ولم تعد "الأمة التي لا غنى عنها"، بعبارة أخرى: الأحادية الأمريكية باتت قصيرة الأجل.
يدخل العالم اليوم في مرحلة حاسمة تتغير فيها طبيعة النظام الدولي، وللتوضيح فإن فترات انتقال القوة هذه أكثر الفترات خطورة في إمكانية حدوث انحرافات في أكثر من مجال، بحسب النظرية الكلاسيكية للعلاقات الدولية.
حديث الصعود لا يدور حول روسيا فقط، هناك قوى أخرى صاعدة تعتبر نفسها محرومة من "مقعد على الطاولة"، في المقابل لاتزال القوى المسيطرة ترفض الاعتراف بالحقائق الجديدة.
التغير في ميزان القوة حاصل، وإن كان بطيئاً، لأن هذا النوع من التغير يحتاج وقتاً لتظهر نتائجه، ولعل تطورات أحداث أوكرانيا وسوريا إحدى أوجه هذا التغير، وهنا يمكن طرح سؤال بسيط لتغيرات بالغة التعقيد: هل كانت روسيا قادرة على استخدام حق النقض "الفيتو" لصالح سورية قبل خمسة عشر عاماً، أو أن تأخذ القرم بالطريقة التي أعادتها بها اليوم؟!.
في المقابل هناك رأي آخر يقول بأن الوضع بعيد جداً عن حالة التغيرات المذكورة سابقا، فالولايات المتحدة ما تزال القوة العظمى في العالم وهي تفرض ما تريد ومتى تريد على أي دولة أو منظمة بالعالم، ولكن الذي تغير أنها لم تعد تستخدم القوة العسكرية كوسيلة وإنما جيش بديل يقاتل عنها الحكومات غير المرغوبة في كل أنحاء العالم، و"داعش" وأخواتها مثال على ذلك، وهنا يمكن طرح سؤال آخر حول وجهة النظر هذه: أليس عدم قدرة أمريكا على شن حروب مباشرة أحد أهم مؤشرات تراجعها؟
قبل عامين فاجأ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المؤتمرين في مؤتمر ميونخ بمصطلح جديد سماه "نظام ما بعد الغرب"، وتبقى الفكرة الأساسية أن أمريكا ماتزال دولة عظمى، وهي إذ لم تفقد الكثير الملاحظ من قوتها، لكن أصبح لهذه القوة حدود في أكثر مكان، حدود رسمتها القوة الروسية الناهضة من تحت رماد الاتحاد السوفييتي.
المصدر: خاص
شارك المقال: