Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

العلاقات السورية- الخليجية: جراح الماضي وآفاق الانفراج

العلاقات السورية- الخليجية: جراح الماضي وآفاق الانفراج

فارس الجيرودي

رغم انضواء كل ما يعرف بدول مجلس التعاون الخليجي تحت المظلة الأمريكية، فقد تباينت أدوارها خلال الحرب الشرسة التي اندلعت منذ ما يقارب ثماني سنوات على الساحة السورية، ويمكننا أن نعيد هذا التباين والاختلاف إلى عاملين أساسيين أولهما: توزيع أدوار اقتضته المصالح الأمريكية، وذلك من ضمن خدمة استراتيجية "القيادة من الخلف" التي مارستها واشنطن طوال ولاية الرئيس السابق أوباما، والتي هدفت من خلالها، وعبر استخدام أدوات الإرهاب والإعلام والمال الخليجي، لتحقيق نفس الأهداف التي سعت لها إدارة سلفه جورج بوش الأمن عبر الحروب العسكرية المباشرة.

العامل الثاني الذي يفسر الاختلاف في مواقف الدول الخليجية من الحرب السورية، هو الحسابات الإقليمية الخاصة التي تتحكم بسياسة كل دولة، ففيما انخرطت قطر مع حليفتها تركيا في تأجيج حركات ما يسمى بالربيع العربي في إطار خطتهما لاستخدام جماعة الإخوان المسلمين وتفرعاتها للتدخل في شؤون الدول العربية وتحصيل النفوذ فيها، فقد قامت السعودية بدعم قوى ذات طابع سلفي لمواجهة نفوذ المحور القطري–التركي الذي ينافسها على الزعامة الإقليمية، وعلى الشرعية الإسلامية التي تدعيها لنفسها.

ورغم تناقض السياستين السعودية والقطرية، فقد أجبرتهما ضرورات الاستراتيجية الأميركية، على تنسيق كامل لجهودهما في الحرب الهادفة لإسقاط الدولة السورية، وذلك من خلال مشاركة استخباراتهما معاً في غرفة "الموك" في الأردن ونظيرتها الموم في تركيا، اللتان دعمتا الجماعات المسلحة، كما اعترف بذلك رئيس الوزراء القطري السابق "حمد بن جاسم" لاحقاً.

في مقابل الانخراط القطري -السعودي الكامل في الحرب ضد سوريا، كان للكويت حساباتٌ مختلفة تتعلق بأمنها الوطني المرتبط بجارتها إيران صاحبة النفوذ في العراق المحاذي لها، فرغم أن الكويت قطعت علاقتها الدبلوماسية بدمشق التزاماً بالقرار الخليجي عام 2012، وغضت الطرف عن حملات التحريض وجمع الأموال لدعم المسلحين في سوريا، والتي قام بها نواب سلفيون وإخوان في البرلمان الكويتي، إلا أن الدولة الكويتية لم تقدم أي دعم مباشر للمسلحين في سوريا، ولم يتورط الإعلام الكويتي في حملات إعلامية ضد الدولة السورية كتلك التي شنها الإعلامان القطري والسعودي.

أما الإمارات فقد انطلق تمايزها عن بقية دول الخليج فيما يخص الحرب السورية، من العداء العميق الذي تكنه لجماعة الإخوان المسلمين وتفرعاتها، حيث تتهم الإمارات جارتها قطر باستخدام عناصر إخوانية إماراتية لهز استقرارها والتدخل في شؤونها، ولما كانت الأدوات المستخدمة لقتال الدولة السورية وإسقاطها في معظمها أدوات أخوانية أو قريبة أيديولوجياً منها، فقد نأت الإمارات بنفسها عن دعمها، رغم إقدامها على قطع علاقتها الدبلوماسية بدمشق، عدا إمارة دبي التي استمرت القنصلية السورية فيها بالعمل، بل إن التنسيق الأمني السوري- الإماراتي ضد الجماعات المسلحة الإرهابية في المنطقة استمر من تحت الطاولة، كما تفيد بذلك عدة مصادر مطلعة، واقتصر الدعم الذي قدمته الإمارات للاستراتيجية الأميركية في سوريا، على سياسة تقديم الجزرة لدمشق عبر محاولة إغوائها بالحصول على دعم مالي واستثمارات اقتصادية ضخمة، في حال وافقت على قطع علاقتها بكل من إيران وحزب الله.

عمان وحدها من بين دول الخليج انفردت بموقف واضح التميز من دمشق، حيث لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية معها طوال الحرب، وهو ما يتسق مع موقف عمان خلال الحرب العراقية-الإيرانية، حيث كانت الدولة الخليجية الوحيدة التي احتفظت بعلاقتها الدبلوماسية بطهران.

الموقف العماني في كلتا الحالتين السورية والإيرانية يُفسَر من قبل محللين برغبة أمريكية بترك خطٍ للرجعة وبابٍ خلفيٍ للتسويات في حال فشل الهجوم، من هنا جاء غض الطرف الأمريكي، عن الموقف العماني المتميز، فالدور العماني بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية دور تسووي وليس دوراً هجومياً. 

بالمحصلة أخفقت الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، مع صمود الدولة والجيش السوريين، ومع دخول روسيا الحاسم إلى الميدان السوري عام 2015، والذي قضى على آخر الآمال بإسقاط الرئيس الأسد، ما نتج عنه انزياح في المواقف الخليجية، وزيادة في حجم التناقضات بينها، فالدولتان الخليجيتان اللتان شكل كل منهما رأس حربة في الهجوم على دمشق قطر والسعودية، شرع إعلامهما ومسؤولوهما في إلقاء اللوم كلٌ على الآخر، لتبرير الفشل في إسقاط دمشق، وكان هذا واضحاً في المقابلة التلفزيونية الشهيرة لرئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم والذي تحدث فيها عن «الصيدة التي فلتت لأننا تهاوشنا عليها».

بالمقابل شجع فشل إسقاط الرئيس الأسد الدول التي لم تنخرط مباشرةً في دعم الإرهاب في سوريا، عمان والكويت والإمارات، على تكثيف اتصالاتها الأمنية و دبلوماسية مع دمشق، وعلى مناقشة آفاق مشاركتها في عملية إعادة إعمار سوريا.

آفاق الانفراج:

لمعرفة الآفاق التي يمكن أن تصل إليها التطورات الأخيرة في العلاقات السورية- الخليجية، اتصلنا بالخبير الاستراتيجي الدكتور بسام أبو عبد الله الذي خصنا بالتصريح التالي: «تاريخياَ كانت السياسة الخارجية السورية وخلال العقود الماضية عامل استقرارٍ في منطقة المشرق العربي، وذلك من خلال ما حققته من توازن بين العلاقتين مع كلٍ من إيران من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي من الجهة الأخرى، والحفاظ على تواصل مشترك مع الجانبين، حيث يبدأ جزءٌ هام من الأمن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي من دمشق، ذلك لدور سوريا الحاسم في الجهد الأمني ضد الخطر الإرهابي، إضافةً لأهمية التنسيق معها في بقية الملفات العربية، لكن انقلاباً خطيراً طرأ على العلاقة مع بدء ما سمي بالربيع العربي، حيث انخرطت دول الخليج  بأمر أمريكي في تمويل تدمير الدول العربية واحدةً تلو الأخرى، ذلك رغم الصراع بين كل من قطر من جهة، والإمارات والسعودية من جهة أخرى، حيث ظهر دور كل من الإمارات والسعودية وقطر واضحاً ومن مواقع مختلفة في الحرب ضد اليمن، وفي دعم الجماعات المسلحة التي قضت على الدولة الليبية، لكن الأخطر من كل ذلك ما مارسته كل من قطر والسعودية في سوريا، لحساسية موقع ومكانة سوريا على الأمنين الاقليمي والعالمي، بالإضافة لخطورة الأدوات التي استخدمت ضد الدولة السورية، والتي تمثلت في الدعاية الدينية والإعلام والدعم المالي للجماعات الإرهابية، وهو ما اعترف به رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم، بالمقابل كان هناك موقف عماني معتدل تمثل في الامتناع عن قطع العلاقات مع دمشق، وموقف كويتي أقل حدة في العداء، وموقف إماراتي ملتبس حيث بقيت الاتصالات الأمنية قائمة مع دمشق دون إعلان، مع وجود تيار أكثر تشدداً ضمن دوائر صنع القرار الإماراتي، لكن الرئيس الأسد لم ينتقد دول الخليج علناً، انطلاقاً من أن النظرة السورية لدول الخليج تصنفها على أنها أدوات، وليس دولاً صاحبة قرار، وهذا ما اعترف به حمد بن جاسم الذي قال إننا كخليجيين نفذنا ما طلب منا أمريكياً، مع أن ما نفذه هؤلاء بالنتيجة أدى عملياً إلى خرابٍ وكارثة إنسانية في سوريا، بالإضافة إلى تفاقم الخطر التكفيري الأصولي الذي يهدد أمن المنطقة برمتها، بما فيها أمن دول الخليج نفسها، فالسعودية مثلاً بدأت تشعر بخطر جماعة الإخوان المسلمين التي تعمل في المملكة من ضمن إطار يدعي الإصلاح، ويعمل على الحفر من تحت سلطة آل سعود، الإمارات أيضاً تشعر بالخطر الأخواني المدعوم من خصميها الاقليميين قطر وتركيا».

ووفقاً للدكتور بسام أبو عبد الله فقد شرعت كل من عمان والإمارات في اتصالات مع دمشق لترميم العلاقة السورية- الخليجية، فقد زار رئيس جهاز الأمن الوطني الإماراتي دمشق أكثر من مرة، يضاف إلى جانب ذلك اللقاء الذي أعلن عنه بين اللواء علي مملوك وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي لم تنتج عنه ثمرات إيجابية، بسبب الإصرار السعودي على ربط تطور العلاقات مع دمشق بقطع علاقتها بطهران، وهو طلب مستحيل التحقق، حيث لم تعتد السياسة الخارجية السورية على مقايضة علاقاتها لقاء أي ثمنٍ مهما كبر.

كما يرصد الدكتور أبو عبد الله محطة أخرى هامة على طريق استعادة العلاقات السورية- الخليجية، تتمثل باللقاء بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم ونظيره البحريني، في أروقة الأمم المتحدة، والذي تقول المعلومات أنه كان منسقاً قبل أشهر، عبر اتصالات دبلوماسية، وهذا ما تبين لاحقاً من خلال لقاء وزير الخارجية البحريني مع قناة العربية السعودية، والذي توجه خلاله بكلام إيجابي تجاه دمشق.

ولا يضع الدكتور أبو عبد الله الخطوات البحرينية تجاه دمشق، وكذلك الخطوات الأردنية المتمثلة في فتح معبر نصيب، ورغبة الإمارات في إعادة فتح سفارتها في دمشق، بعيداً عن تطورات الموقف السعودي، حيث تحتفظ الدول الثلاث بعلاقات تحالف مع الرياض، وهو ما يشير بحسب الدكتور بسام إلى أن العقلاء ضمن مراكز صنع القرار الخليجي اكتشفوا خطأهم الاستراتيجي الذي ارتكبوه في سوريا، وخصوصاً بعد خطوة الانسحاب الأمريكي، الذي يمثل ضوءاً أخضر من واشنطن، من أجل بدء الالتحاق برحلة العودة إلى دمشق.

ورغم أن دمشق تنظر للمستقبل لا للماضي فيما يخص علاقتها بدول الخليج، إلا أن الثابت والأكيد بحسب ما يراه الدكتور أبو عبد الله، أن استعادة العلاقة السورية -الخليجية لن تكون أبداً على حساب العلاقة مع طهران، لأن طهران حليف أساسي لسوريا في الصراع مع إسرائيل، وهي بلد يتمتع باستقلالية القرار عكس الدول الخليجية، التي تعتبر أدواتٍ أمريكيةٍ، وليست دولاً مستقلة بالمعنى الحقيقي للكلمة.

بالنتيجة يرى الدكتور بسام أبو عبد الله أننا «على طريق استعادة العلاقات بين دمشق ودول الخليج، لكن ليس على طريقة تبويس اللحى ونسيان الماضي، لأن ما حصل خلال السنوات الماضية من دور خليجي لن يمحى أبداً من التاريخ السوري، لذلك يجب ضبط العلاقة، ضمن مصالح الدولة السورية وليس لحساب مصالح الأفراد واللوبيات التي يمكن أن تستفيد من العلاقة مع الخليج»، ختم الدكتور أبو عبد الله حديثه.

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: