Sunday May 19, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

على هامش النقاش الدائر حول تدهور «سعر الصرف» و«تطوراته الدراماتيكية» ؟!

على هامش النقاش الدائر حول تدهور «سعر الصرف» و«تطوراته الدراماتيكية» ؟!

 

الدكتور مدين علي

يُخيّم غموض شديد على الوضع الاقتصادي العام في سوريا، تصاحبه حالة من الارتباك والقلق تسيطر بقوة على تصورات عددٍ كبيرٍ من السوريين، وذلك جراء التطورات الدراماتيكية المتسارعة في سعر الصرف. وحالة القلق في الواقع، تُعدُّ مبررة ومشروعة من الناحية الاقتصادية والسيكولوجية، لأن المسألة تخص جميع السوريين، وترتبط بمقومات وجودهم، وشروط حياتهم اليومية (الغذائية والمعيشية والصحية والتعليمية)، كما ترتبط بدخولهم ومصير مدخراتهم وودائعهم، وفرص عملهم وتشغيلهم ومستقبل أولادهم...... وغير ذلك. هذا في الوقت الذي يراهن فيه أعداء الدولة السورية بقوةٍ، على مفاعيل قانون قيصر، وأدوات الحرب الاقتصادية المختلفة، وسياسة التفقير والتجويع الاقتصادي للي ذراع الدولة السورية، والضغط عليها، للتموضع سياسياً واقتصادياً بصورةٍ مختلفة. 

بصرف النظر عن طبيعة النقاش الدائر، والجدل المُحتدم في هذا الإطار، ينطوي تراجع سعر صرف الليرة السورية، على مخاطر نوعية كبيرة، إذ يتسبب الأمر إنْ استمر دون علاجٍ بشللٍ اقتصادي كبير، يصيب مفاصل الاقتصاد السوري، ويقود في نهاية المطاف إلى انفجار أزماتٍ سياسية واجتماعية وأمنية كبيرة، جراء ارتفاع منسوب الفقر والتهميش الاقتصادي والحرمان.

 وفي الواقع إنّ التراجع المُثير، الذي يشهده سعر صرف الليرة السورية، والذي تجاوز عتبة الـ (1250) ل.س للدولار، فبل أن يتراجع قليلاً بعد صدور المرسوم رقم (3) والمرسوم رقم (4) لعام (2020) لا يمكن أن يُفّسّر بأسباب اقتصادية أو نقدية، لأن مفاهيم النظرية الاقتصادية، ولا أدوات التحليل الاقتصادي، مهما بلغت من السوية والتقنية، لا تسعفنا بالحجج والمبررات العلمية الكافية، لتقديم رؤية متكاملة، تفسر التراجع الدراماتيكي الجاري في سعر الصرف، بصورة مقبولة ومقنِعة. 

ما يجعل وجهة النظر التي تعتقد وتقول بأن مشكلة سعر صرف الليرة السورية، ليست مشكلة نقدية، ولا اقتصادية، ولا تنحصر حدودها في نطاق المهام التقليدية لمصرف سورية المركزي، ولا في مضمون سياساته النقدية، مقبولة ومُؤيَدة من الناحية المنطقية. 

وعليه، ولطالما قبلنا بوجهة النظر المذكورة التي تؤكد (وهو كذلك) بأنّ أسباب مشكلة سعر الصرف ليست مشكلة نقدية، ولا اقتصادية بالمطلق، فإن ما يجب أن يؤخذ بالحسبان، بناءً على ذلك، هو أنه لا توجد حلولاً سحرية للمشكلة  ولا يملك أحداً مفاتيح المخارج، التي باتت أبعد وأكثر من اقتصادية، و بالتالي  إن ما يجري من مزايدات وتشبيحات  ومطالبات على صفحات الفيسبوك، وصفحات مختلف وسائط التواصل الاجتماعي، والمواقع الأخرى المختلفة، يندرج بمعظمه في نطاق الهرطقة الاقتصادية والتهريج، لأن حزمة العقوبات الدولية الجديدة، تكبر في كل يوم، وتتصلّب بقوة على وقع قانون سيزر، الذي يُضِيق الخناق الاقتصادي على سوريا، الذي يضع الاقتصاد السوري في مواجهة عنيفة ومصيرية، مع استحقاقات الحرب الاقتصادية، التي تُشَنُّ على سوريا، في الوقت الذي ما تزال فيه عجلة الإنتاج الاقتصادي الوطنية، (التي تُعدُّ خشبة الخلاص الحقيقية، ولا غيرها)، معطلة بصورة نسبية كبيرة.

وفي كافة الأحوال إن إمكانية الحد من تراجع سعر الصرف، ورفع القدرة الشرائية لليرة السورية وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين السوريين، تتطلب تكاملاً بين مهام الدولة وواجباتها من جانب، وبين مهام المواطن وواجبته من جانبٍ آخر. 

بمعنى آخر إن حل مشكلة التراجع في سعر الصرف، والحد من تدهور القوة الشرائية لليرة السورية، يتطلب من الحكومة السورية، أن تتخذ حزمة واسعة من الإجراءات والتدابير العاجلة، لجهة ما يتعلق بضبط عملية الاستيراد، وتقييد المستوردات ضمن سقوف وسلع محددة، ومكافحة التهريب بقوة، وضرب البنية الكيانية للفساد، وتشجيع التسويات والدفع عن طريق النقد الخطي، والسير بخطى سريعة نحو تغيير بعض فئات النقد السوري، وتحفيز الإنتاج، لا سيما الإنتاج الزراعي الغذائي (النباتي والحيواني). 

كما يتطلب من جانبٍ آخر، تعاوناً أكبر من المواطنين السوريين، لجهة ما يتعلق بضرورة إعادة ترتيب الأولويات الاستهلاكية، ونمط الانفاق الاستهلاكي، والطلب على المستوى الكي والجزئي وصياغة هيكل جديد للاستهلاك، بناءً على مستوى الدخل، وقوته الشرائية.  

وفي سياق متصل، وفي إطار الجهد المبذول، للتحكم بحركة القطع الأجنبي، والحد من تدهور سعر صرف الليرة، أصدرت الدولة السورية المرسومين رقم (3) ورقم (4) تاريخ ( 18/1/2020 ) اللذان يتضمنان فرض عقوبات جزائية ومدنية متشددة، على المتاجرين بالقطع الأجنبي، والمتعاملين به كأداة للدفع والتسويات المالية، أو لتمويل الصفقات التجارية وذلك بدلاً عن الليرة السورية. 

وتجدر الإشارة في هذا الإطار، إلى أنه يمكن أن يكون للمرسومين المذكورين، أثراً إيجابياً معيناً لجهة ما يتعلق بضبط سوق القطع، والحد من مساحة الفوضى المالية، التي عصفت وما تزال بسعر القطع والاقتصاد السوري عموماً طوال سنوات الحرب. 

إلا أن ذلك يتطلب من الحكومة السورية، أن تقوم بتنفيذ حزمة من السياسات الاقتصادية، وسياسات إعادة الهيكلة المالية والإدارية والتنظيمية غير التقليدية ــ والتي تأخرت كثيراً في تنفيذها وفوّتت الفرص التي ربما بعضها لن يتكرر ـ وذلك بالتوازي مع تطبيق الإطار القانوني للمرسوم رقم (3) والمرسوم رقم (4) لعام (2020).

المصدر: خاص

بواسطة :

nour molhem

author

شارك المقال: