"أخبار حصرية" .. الحمداني حاضرٌ بيننا !
لن تكون في زمن الزير سالم إن رأيت حصاناً يصهل وسط دمشق بالقرن الواحد والعشرين، ولن يكون في إشهار الفرسان لسيوفهم دعوة لمبارزة عنترة، فـ "ابن شداد" فارس من زمن آخر، ربما يكون مجرد مهرجان استعراضي ليس إلا، وله أسبابه المفهومة في طبيعة الحال، ذلك أن سوريا مقبلة على فترة زمنية تأخذ تنشيط السياحة واستعادتها هدفاً رئيسياً، لكنّ السوريّ يبقى مستغرباً ومندهشاً دائماً، كأنّ صاعقة ألمّت به، وجعلته جاحظ العينين فجأة !
كلما أراد السوري أن يبدو عارفاً ببلده ومتعايشاً مع متاعبها وقريباً من همومها، يجد نفسه غريباً عنها وبعيداً عن منطقها، كتلميذ عرف للمرة الأولى كيفية كتابة "بابا وماما"، وكل ما حاول تحميل نفسه بلومها على تقصيرها بالانخراط في المجتمع، جاءه قرارٌ حكومي جديد وغريب نفضّ دماغه مجدداً وأعاده إلى "جادة الاستغراب".
هو تاريخ سوري مثقل بأسباب التفاجؤ، والتاريخ دائماً ما يعيد نفسه في خارطة الزمن ورقعة الأرض، فلك مثلاً أن تتخيل معركة جرت في القرون الوسطى بين قبيلتين في الصحراء العربية، ثم تلاحظ معركة أخرى في عصرنا الحالي بأحداث وظروف مشابهة، إنها حركة التاريخ وحكمه الأزلي على أرض بعينها، وفي هذا يعيش شاعر الشهباء الأسير حينها أبو فراس الحمداني حين يخاطب مفتاح خروجه وعلة دهشته ابن عمه سيف الدولة "أراك عصي الدمع شيمتك الصبر .. أما للهوى نهي عليك ولا أمر".
وما بين زمن الحمداني وزماننا، عود على بدء، ولا فروقات حتى، عندهم خيول ولدينا أيضاً، يملكون سيوف مشهّرة ونملك "بيض هند" تقطر من دم المواطن، أما المعيشة والأرزاق فحبذا لو قلبت الصفحة، وإن أصريت أكثر يأتيك حال السوري بـ "ما لم تزود"، أخبار حصرية "فقط في سوريا"، لذا عذراً من الحمداني فزماننا أولى بقصائده وأبلغ حالاً من حاله حين نظمها، فقد بلغ الصبر ذروته واختفت ملامح التعبير عن الألسنة، لأن أحداً منّا لن يصيح في سرّه أصدق من أن يقول "إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى .. وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر".
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: