أهالي المفقودين ضحايا الابتزاز!

نسرين علاء الدين
أوراق نقدية من معظم الفئات لفت على شكل رزم لتشكل مبلغ مليون ليرة. تمكنت أم فراس (54سنة) من جمعها بعد عناء طويل، اختفى زوجها في نهاية العام 2017 أثناء عمله على التكسي. تقول أم فراس: خرج زوجي صباحا من منزلنا في منطقة التضامن وكان آخر اتصال تلقيته منه ظهر يوم الأربعاء 25 تشرين الأول. سألني عن الغداء وقال إنه لن يتأخر. ولكنه لم يعاود الاتصال أو العودة إلى المنزل.
بعد أسبوع على اختفائه تلقت أم فراس مكالمة من هاتف زوجها لكن المتصل لم يكن الزوج بل شخص آخر أخبرها أنه يعرف مكان زوجها المحتجز بحسب المتصل في أحد الأفرع الأمنية وأنه سيساعدها على إخراجه مقابل مبلغ مليوني ليرة. لم تتمكن أم فراس التي نزحت عن منزلها في الحجر الأسود وتعيش ظروف حياتية صعبة من جمع المليوني ليرة المطلوبة وكل ما جمعته من الأهل والأصدقاء هو نصف المطلوب. بنزق تعامل المبتز صاحب الاتصالات مع أم فراس عندما أبلغته أن المبلغ لم يكتمل وأنها لن تسلم المبلغ قبل أن تسمع صوت زوجها. أو تشاهد له صورة حديثة. لم يستجب المتصل لطلبات أم فراس وطلب منها أن تضع النقود في مكان قريب من مشفى المواساة وعند عودتها ستجد زوجها في المنزل.
وضعت أم فراس النقود في المكان المتفق عليه، وعادت إلى منزلها على أمل أن تجد زوجها ينتظرها. مضى أكثر من عام على تلك الحادثة ولم يعد زوجها وأصبح رقم الاتصال خارج التغطية. لم تيأس أم فراس من السؤال عن زوجها لكنها كانت تتوقف عندما يطالبها الوسيط بنقود. لم يعد زوج أم فراس بعد، وكل فترة تتلقى اتصالاً من شخص يعطيها الأمل بخبر عن زوجها لكن الأمر ينتهي بعد طلب المتصل النقود.
غريق يتعلق بقشة
لم يعلم أبو سعيد من أين أتى المتصل الذي عرف بنفسه على أنه ضابط من وزارة المصالحة الوطنية. الاتصال الذي تلقاه أبو سعيد كان عبر الهاتف الأرضي ولم يكن عبر الجوال. عرف الشخص المتصل بنفسه على أنه ضابط من وزارة المصالحة الوطنية وهو يتأكد ماذا إذا كان لدى سكان المنزل مفقود أو مخطوف أو موقوف لكي تقوم الوزارة بواجبها. جاوب أبو سعيد على جميع أسئلة المتصل الذي كان يدعي أنه ضابط برتبة رائد. وأخبره الرائد أنهم سيتواصلون معه بعد فترة قريبة ليعلموه بمصير ابنه الذي اختطف بعد خروجه من اللاذقية متوجها نحو حمص. أيام قليلة وتلقت العائلة اتصالاً ثانياً بعد أسبوع يخبرهم المتصل عن مكان ابنهم وأنه سيتم الإفراج عنه لقاء مبلغ سبعمائة ألف ليرة بعد أن كان المبلغ مليون ليرة. لكن العائلة لديها شهيد إلى جانب الأخ المختفي. المعلومات التي أدلى بها المتصل مرة ثانية لم تكن سوى معلومات قالها الأب في الاتصال الأول إضافة إلى تطمينات من قبل المتصل عن صحة ابنهم المختفي. كان الاتفاق أن يضع الأب المبلغ في مكان ضمن أحد أحياء حمص وبالفعل تم ذلك. لكن الأب لم يجد ابنه بعد عودته إلى المنزل وانقطعت الاتصالات بعد تلك الحادثة.
يقول أبو سعيد لم أتقدم بأي شكوى حول ما حدث معي لمن أشتكي وقد كان المتصل يعرف على نفسه بأنه ضابط ويتبع لوزارة. كما أنه استخدم الهاتف الأرضي.
لم يغلق ملف الخطف في عدد من المحافظات السورية فالسويداء تعد من المحافظات الأخطر وفق لعمليات الخطف. إضافة إلى أن السوريون لا يزالون يتلقون اتصالات من مجهولين يدعون أنهم من وزارة المصالحة الوطنية ويريدون مساعدهم في حال وجود مفقود أو مخطوف.
الوزير علي حيدر صرح قبل أن تتحول الوزارة إلى هيئة بوجود أكثر من خمسة آلاف مخطوف لدى جيش الإسلام وحده لم يخرج منهم سوى 200.
انتهى عمل الوزارة وأصبحت هيئة تابعة مباشرة لرئاسة مجلس الوزراء بعد التعديل الحكومي الأخير الذي أجراه الرئيس الأسد في السادس والعشرين من تشرين الثاني عام 2018. دون أن يتم الإعلان عن المهام الجديدة التي ستتولاها الوزارة أو حتى الكشف عن مصير الملفات التي كانت تديرها.
عدد من السوريين اشتكوا لـ Q Media تلقيهم منذ بداية العام الحالي اتصالات من مجهولين يدعون أنهم من وزراة المصالحة الوطنية ويطلبون منهم معلومات حول إذا ما كان لديهم مخطوفين أو مفقودين.
جريدتنا توجهت لـ"هيئة المصالحة الوطنية " للاستعلام عما إذا كانت الوزارة سابقا أو الهيئة حاليا تجري مثل هذه الاتصالات.
الهيئة ردت عبر مستشارتها السيدة يانا خضور التي أكدت أن الوزارة لم تكلف أحداً بإجراء مثل هذه الاتصالات وأن أي تواصل يتم عبر موظفين محددين ولا يوجد بينهم أي ضباط من أي صفة كانت. وتابعت خضور أن الهيئة تتعامل مع الجهات الأمنية المختصة لإلقاء القبض على منتحلي الشخصية الذين يدعون أنهم من المصالحة وذلك بعد ورود عدد من الشكاوى بهذا الخصوص.
الوزارة قبل أن تتحول إلى هيئة تلقت عدد من الاتهامات بوجود فساد بين أروقتها. لكن الوزير السابق الدكتور علي حيدر صرح في وقت سابق بأن ملف الفساد في الوزارة تراجع. قائلا: إذا قمنا بقياس مستوى الشكاوى حول الفساد بين عامي 2016 إلى 2018 سنجد بأنه انخفض بشكل كبير، وقلة الشكاوى الواردة للوزارة إلى أقل حد كان بسبب الإجراءات التي تم اتخاذها، حيث تم إنهاء تكاليف فردية كان يستغلها البعض، إضافة إلى أن الوزارة قامت بتقييم المبادرات والتي وصل عددها إلى 88 مبادرة في كافة الأراضي السورية، وتم على إثرها إنهاء عمل عدد من المبادرات، مما أدى إلى انخفاض العدد إلى 24 مبادرة، إضافة إلى ربط عمل هذه المبادرات بالوزارة مباشرةً عبر المكاتب في المحافظات، ومتابعتنا لعمل هذه المبادرة وتوعية الناس إلى أن عمل المبادرة هو مجاني بالكامل ولا ينبغي دفع أي مبلغ مقابله، إلا أن المواضيع التي كان يستغلها البعض كملفات المفقودين والمخطوفين باتت معروفة ولم يعد بإمكان الفاسدين استغلالها، وعلم الأشخاص أن المرجعية لم تعد لدى أشخاص يسمسرون ويبتزون، وإنما هي مرجعية رسمية. كما أن الوزارة قامت بتحويل ملفات الفاسدين مهما كان قربهم من عمل الوزارة إلى الجهات المعنية حيث تم إيقاف وحبس المتورطين وفق القانون السوري.
لا يمكن لوم أي شخص يقع ضحية المبتزين في سبيل الحصول على أية معلومة. مهما كانت هذه المعلومة ضعيفة خاصة في ظل عدم توفر قاعدة بيانات حول العدد الحقيقي للمفقودين في سورية على أمل أن يغلق هذا الملف قريبا.
بواسطة :
شارك المقال: