آفاق عودة العلاقات السورية-السعودية
حبيب شحادة
لا شك في أنّ العلاقات العربية البينية لم تكن يوماً علاقات محكومة وفق أسس وقواعد.
وإنّما وفقاً لطبيعة الأدوار الإقليمية والدولية وتبدلاتها.. ولم يَحدث أن شهد النظام الرسمي العربي هذه الحالة من التردي والعداء رغم حدوث الكثير من الأزمات والتوترات الاقليمية التي لم تقطع شعرة معاوية بين دوله الفاعلة وتحديداً السعودية وسوريا.
واعتماداً على مبدأ أساسي في السياسة أنّه لا توجد عداوة دائمة ولا صداقة دائمة.
سنناقش في هذه المقالة إمكانية عودة العلاقات السورية- السعودية بعد سنوات من العداء.
إنّ العلاقة السورية – السعودية ليست حديثة العهد، بل قديمة وتمتد في التاريخ وتعود إلى أيام الدولة الأموية وتجارة أبو سفيان مع الرومان في دمشق، كما أنّ أول ملك نُصّب على سوريا آتى من الحجاز.
حتى مُؤسس السعودية الملك عبد العزيز آل سعود استعان بعائلات سوريا لمساعدته في إدارة الحكم.
كما مرّت العلاقات "السورية – السعودية" بالكثير من الأزمات والتوترات في فترات تاريخية معينة.
ففي مرحلة الصراع على سوريا اتسمت علاقات البلدين بعدم الاستقرار نسبياً، حيث كانت السعودية تتدخل بشكل مباشر في مجريات الحياة السياسية السورية، ليختلف الوضع مع وصول الرئيس حافظ الأسد إلى السلطة وانفتاحه على السعودية، خلالها عادت العلاقات لسابق عهدها مع الرياض التي دعمت سوريا في أزمة الثمانينات والحصار الأمريكي.
ومنذ عام (1970- 2000) ورغم حدوث الكثير من المتغيرات والصراعات التي كان من أبرزها الثورة الايرانية وحرب الخليج الأولى التي وقفت سوريا فيها بجانب إيران ضد الاجماع العربي.
فإنّ علاقات البلدين حافظت على استقرارها ولم تخرج عن إطارها المضبوط، وصولاً لمرحلة استلام الرئيس بشار الأسد للسلطة، والتي تراجعت خلالها العلاقات بنسبة كبيرة حتى وصلت إلى صفر علاقات.
ومرد ذلك تغير آلية التعاطي السوري مع الدور السعودي في المنطقة تبعاً لمجموعة من الأحداث منها:
- احتلال العراق (2003) وتداعياته التي طالت مختلف دول المنطقة.
- علاقة سوريا بإيران التي ربّما كان على السياسة السورية لعب دور في تقريب وجهات النظر بين إيران والسعودية التي أصبحت تنتقد الدور السوري في دعم حزب الله وحماس.
- الملف اللبناني الذي فجر الآزمة بين البلدين وعُبره حاولت السعودية لعب دور أكبر على حساب الدور السوري وخصوصاً بعد اغتيال الحريري (2004) وصدور القرار (1559) الذي أخرج الجيش السوري من لبنان.
- حرب تموز (2006) وعدوان غزة (2009) اللذين يمكن اعتبارهما نقطة التحول الرئيسية في مسار العلاقات بين البلدين.
رغم ذلك لم تصل العلاقات السورية- السعودية سابقاً إلى ما وصلت إليه الآن من عداء وقطيعة بفعل المتغيرات الاقليمية منذ عام 2003 وصولاً للعام 2011 وتداعياته على مختلف دول المنطقة. والذي غيّر في آلية التعاطي السوري مع الدور السعودي المنُخرط عسكرياً ومادياً في الصراع السوري، من خلال تبادل الاتهامات بين الطرفين وصولاً لصفر علاقات.
الجدير بالذكر أنّ السياسة السورية قبل عام 2000 كانت تولي السعودية أهمية كبيرة وتعمل دوماً على بقاء التواصل معها رغم الأزمات والتوترات على اعتبار أنهّا لاعب رئيسي في المنطقة وله دور حاسم في مختلف ملفاتها لا يمكن تجاهله. واليوم مع تعاظم الدور الروسي في المنطقة ومحاولاته تقريب وجهات النظر بين سوريا ومختلف الدول العربية، ومنها السعودية يمكن القول بأنّ الأزمة السورية تتجه نحو مزيد من الانفتاح على العرب،
لكن يبقى تَعقد وتشابك الملفات الإقليمية والدولية حاكم لمستقبل العلاقات بين البلدين، وربّما يعود بها إلى سابق عهدها انطلاقاً من استحالة استمرار العداء لأنّه لا عداوة دائمة في السياسية، بالتالي لا بد من إيجاد مخرج لعودة العلاقات.
وهذا المخرج ظهر عبر البوابة الروسية التي تتمتع بعلاقات جيدة وإيجابية مع الرياض.
من هنا يُمكن وضع المبادرة السعودية تجاه سوريا والتي نقلها مبعوث الرئيس الروسي إلى الرئيس الأسد في سياق الجهود الروسية الرامية لإيجاد حل للأزمة السورية المستعصية.
يضاف لذلك ما كشفه دبلوماسيون روس من تفاصيل محادثات «سرية» أجرتها مستشارة الرئيس الأميركي فيونا هيل في موسكو خلال اليومين الماضيين، وركزت على الوضع في سوريا ووصفت بأنها كانت مُثمرة.
بالنتيجة إمكانية عودة العلاقات السورية – السعودية أو المحافظة على حد أدنى من العلاقات الإيجابية ممكنة من خلال التعايش مع اختلافات لا يمكن تفاديها في السياسة رغم اختلاف الروئ والمصالح في مقاربة الأحداث، كما أنّه في ظل التوترات الاقليمية المتصاعدة، وتحديداً - التنافس الإقليمي بين إيران وتركيا-، فأنّ أي حل في سوريا لا بد من أن يمر عبر البوابة السعودية التي تحدثت الأنباء عن أنّها كانت إيجابية تجاه الوضع السوري.
المصدر: خاص
شارك المقال: