Tuesday November 26, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

الاستثمار في القطاع الزراعيّ والتصنيع الغذائي

الاستثمار في القطاع الزراعيّ والتصنيع الغذائي

د. مدين علي 

تتباين وجهات النظر حول أولوية القطاعات، التي يجب أن تحظى باهتمام التوظيف والاستثمار في سوريا، في مرحلة استئناف النشاط، وانطلاق مسار التعافي الاقتصادي. إذ يرى بعضهم، أن التركيز يجب أن ينصبّ على الاستثمار والتوظيف، في قطاعات الإنتاج المعد للتصدير، إذ يساعد ذلك في تأمين القطع الأجنبي، اللازم لتمويل برامج التعافي الاقتصادي، وعملية إعادة البناء، كما يساعد في تعزيز رصيد الاحتياطي من القطع، اللازم لتمكين الليرة السورية، من استعادة قوتها الشرائية، التي تآكلت، جراء التضخم، والارتفاع في المستوى العام للأسعار. فيما يرى آخرون، أن التركيز يجب أن ينصب على الاستثمار والتوظيف، في قطاعات إنتاج سلع وخدمات بدائل الاستيراد، إذ يساعد ذلك، في تخفيض حجم الاستيراد من الخارج، وبالتالي تخفيض الطلب على القطع الأجنبي، اللازم لتمويل المستوردات، ما يساعد في تخفيض مستوى العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات.

وفي كافة الأحوال، يتوفر للنظريتين المذكورتين، ما يكفي من الأسانيد المرجعية، والمبررات الاقتصادية (النظرية والعملية) للدعم والتبني، كخيارٍ تنموي، كما يتوفر لكلٍّ منهما، الكثير من النماذج العملية والتطبيقية، المتفاوتة في نسب النتائج الاقتصادية، ومعدلات المردود التنموي. لكن الدرس  المُستخلص من واقع التجارب، في كافة الأحوال، هو أن يُؤخذ بالحسبان، عدم وجود نموذج معياري موحد، يمكن تعميمه، يحمل في طياته، وصفة الخلاص، لإنقاذ اقتصادات الدول المتخلفة، تحديداً الدول، التي عانت من حروب داخلية، ونزاعات مسلحة، تسببت بدمارٍ اقتصادي،  بالغ الأثر، على مستوى نوعية الحياة، وعلى مدى الإمكانية، والقدرة على توفير الشروط الأساسية، والمتطلبات الضرورية، اللازمة لتأمين سبل العيش بالحدود الدنيا.

إن ملامح الإطار العام، للنموذج الاقتصادي السوري، والخصائص الهيكلية، أو البنيوية، التاريخية والمعاصرة، للاقتصاد والمجتمع في سوريا ، تؤكدان بقوة، على ضرورة إعطاء أولوية خاصة، لتطوير الزراعة والإنتاج الزراعي، والصناعات ذات الصلة، لطالما أن القطاع الزراعي، يمكن أن يستوعب نسبة مهمة، من قوة العمل، سواء كان ممن يعمل في الزراعة لحسابه الخاص، أم ممن يعمل فيها لدى الغير، ولطالما أنها أسهمت وما تزال، بنسبة مهمة في معدل نمو الاقتصاد  السوري ، ويبقى الأبرز، هو دورها في تأمين حاجات الاستهلاك و مستلزمات الإنتاج، للكثير من الصناعات الزراعية، تحديداً الصناعات الغذائية، ما يقلل من مستوى الاعتماد على مصادر التوريد الخارجية، وبالتالي الحاجة للقطع الأجنبي، اللازم لتمويل المستوردات. ويبقى الأبرز في هذا السياق، هو تأمين  القاعدة الصلبة، أو المرتكز المادي المتين، اللازم لتوفير شروط الأمن الغذائي ومتطلباته.

وفي كافة الأحوال، إنّ متطلبات التعافي الاقتصادي، والمستلزمات الضرورية لتخفيف وقع العقوبات الاقتصادية على سوريا، والحد من فاعلية الآليات، التي تستهدف تضييق الخناق عليها، وتشديد الحصار على خياراتها، تتطلب من الحكومة السورية، تصميم استراتيجية تنموية متكاملة، تعطي أولوية خاصة لمسألة تطوير القطاع الزراعي، تحديداً الزراعات الإستراتيجية (القمح والحبوب والزيوت)، والصناعات ذات الصلة، واهتماماً بارزاً، بدورة المُنتج ، انطلاقاً من مرحلة الإنتاج، مروراً بعملية التوزيع والتسويق، وانتهاءً بعملية الاستهلاك أو التصنيع، سواء كان في الأسواق الداخلية، أم الخارجية.  

 بمعنى آخر، إنّ عملية النهوض بالقطاع الزراعي، وتعزيز دوره كرافعة تنموية في مرحلة التعافي الاقتصادي، يتطلبان من الحكومة السورية، إعداد خطة اقتصادية متكاملة، تتضمن مختلف الإجراءات العملية والمؤشرات الكمية، التي يمكن أن تساعد، في رفع مستوى المنفعة، وتعظم المردود الاقتصادي والعائد، لعملية الاستثمار في القطاع الزراعي. ويبقى الأبرز، هو أن تتضمن الخطة السبل والأليات، التي يمكن الرهان على استخدامها، كروافع تخطيطية، تساعد في تطوير فنون الإنتاج الزراعي، وتوطين التقانات الزراعية ،والمعارف العلمية الحديثة، التي يمكن أن تساعد في رفع مستوى إنتاجية وحدة المساحة، وتحسن مستوى الخصائص النوعية  والكمية للإنتاج، وتحول النشاط، أو العمل في القطاع الزراعي في سوريا، إلى نشاطٍ،  يولد دخلاً مستقراً ومُستداماً، يمكن أن يكون محل احترافٍ واختصاصٍ، ومحط رهانٍ، لتعزيز شروط الأمن الاقتصادي ومتطلباته، على المستويين، الجزئي( الفرد)، والكلي (الدولة).

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: