Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

الجزائر تدخل مرحلة ما بعد الرجل الأكثر تأثيراً

الجزائر تدخل مرحلة ما بعد الرجل الأكثر تأثيراً

 

أما وقد انتهى حكم بوتفليقة كما توقعنا، فإن واجبنا تجاه الحقيقة، يحتم علينا، في هذا المناخ المتشنج الذي تتراجع فيه المعرفة والعقل أمام الإشاعة والتضليل والانفعالات العاطفية،أن نوضح كيف ظل اسم "عبد العزيز بوتفليقة" ومنذ الاستقلال يفرض نفسه في كل المفاصل التاريخية لبلد عربي مهم كالجزائر، فمنذ التحاقه بالثورة في سن مبكرة في مدينة وجدة المغربية، التي ضمَّت قيادة أركان جيش التحرير،كان عبد العزيز الشاب واحداً من الفاعلين فيما عرف بالولاية التاريخية الخامسة (وفق التقسيم الذي أقرَّه جيش التحرير الوطني )والتي لعبت دوراً حاسماً في إنتصار الثورة الجزائرية.

حيث كَلَّفته قيادة أركان جيش التحرير الوطني بمهمةٍ سرية (حدَّدت مصير البلاد بعد الاستقلال) تمثَّلت في الاتصال بقادة الثورة الخمسة المسجونين آنذاك في فرنسا، وانتهت باقناعه بن بلة بتولي الحكم في الجزائر المستقلة، كما نجح الرجل في مهمةٍ أمنيةٍ أخرى في مالي، أحبطت مشروعاً تقسيمياً أعده شارل ديغول للجزائر تضمن خلق جمهورية للطوارق في أقصى جنوب البلاد.

بعد الاستقلال لعب بوتفليقة دوراً حاسماً أيضاً في انقلاب 65 (لست هنا بصدد تقييم هذا العمل في حد ذاته) والذي أوصل "هواري بومدين" للحكم ،في تلك الفترة التي عرفت بناء الجزائر الحديثة بتجربتها الاشتراكية، حيث لمع نجم "عبد العزيز بوتفليقة" كوزير خارجية يُمثِّل دبلوماسياً، قبلة الثوار في مختلف دول العالم الثالث، أحسن تمثيل (عرف خلالها قادة من أمثال جياب وغيفارا وثوريين عرب من قبيل وديع حداد، كارلوس ،وزعماء حركات تحرر آسيوية وافريقية).

وأُبعد بوتفليقة بعد وفاة رفيق دربه بومدين، فوجد نفسه منفياً في عواصم كثيرة بينها دمشق، تحت ذريعة تهمٍ بالفساد، فلم يعد إلا بعد عشرين ربيعاً لبلاده، وهي قاب قوسين أو أدنى من الانهيار بعد أن تمكَّنت منها خناجر الجماعات المسلحة المتسترة بالإسلام، وسياسات الليبراليين الاقتصادية التي سلّمتها لقمةً سائغةً لصندوق النقد الدولي، حينها قاد الرجل مشروعاً أوقف حمّام الدماء، وأنقذ البلاد من سطوة المؤسسات المالية الدولية،وحوَّل البلاد إلى ورشةٍ لمشاريع  طرق سيارة ،شبكات سكك حديد....وأطلق نهجاً استقلالياً أعاد من خلاله العلاقات مع إيران التي كانت مقطوعة خلال العشرية السوداء.

تقرّب من الصين وحوَّلها إلى أهم شريكٍ اقتصادي للبلاد فقد انخرطت الجزائر في عهده رسمياً في مشروع "طريق الحرير" الصيني في أيلول الماضي، بعد أن زادت من حجم التعامل الاقتصادي معهافي السنوات الأخيرة، إلى المستوى الذي وصلت معه إلى وضعية الشريك الاقتصادي الأول للبلاد«استفادت الصين من كل مشاريع البنية التحتية الكبرى التي تم تنفيذها في العشرين سنة الماضية»

وعلى أساس ذلك شرعت الصين في بناءِ ميناءٍ كبير في الحمدانية في شرشال وسط البلاد بكلفة تفوق ثلاث مليارات دولار، والذي كان من المتوقع أن يلعب دوراً كبيراً في المنطقة ،وفي آذار 2018 أبدى تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي امتعاضه الشديد مِمَّا أسماه التمدد الصيني في الجزائر، مشيرا للميناء المذكور، وللشراكة الصينية-الجزائرية في المجال الفضائي التي أفضت لإطلاق القمر الصناعي الجزائري "ألكوم سات 1" من قواعد صينية، التقرير ندّد بالتمدد الصيني في الجزائر وحذّر من أهداف أخرى له رغم ظاهره الاقتصادي.

قبل ذلك أنهى بوتفليقة النفوذ السياسي والاقتصادي لفرنسا داخل مواقع حساسة في الدولة، والذي استمر منذ الاستقلال وطوال عهد أسلافه، الرجل استنفذ كل قواه في تلك المعارك الحاسمة،حتى تدهورت صحته وربما كان قرار ترشحه للولاية الخامسة خطأً تاريخياً ارتكبه بحق نفسه، لكن سيظل بوتفليقة يخلق الجدل حوله، ككل الشخصيات التاريخية المؤثرة، فنحن أمام رجل كبير،لكن، يقيناً ،ليس أكبر من الجزائر،ولربما سيعرف الكثير، ممن تم تضليلهم، قدره، بعد أن تهدأ النفوس، وأملنا أن لا تتحول الجزائر بين عشية وضحاها لميدانٍ للتنافس بين أداتي واشنطن الرخيصتين، سواء تلك التي تدَّعي رعاية الربيع وأزهاره«قطر»، أو غريمتها عرّابة الثورات المضادة «السعودية» مثلما آل إليه حال جارتها ليبيا.

 

المصدر: خاص

شارك المقال: