ماذا تضمن الاجتماع حول "مخيم الركبان" ؟

محمود عبد اللطيف
تقول المعلومات التي حصلت عليها "جريدتنا" أن خلافا حدث بين ممثلي "هيئات المجتمع المحلي في مخيم الركبان"، ضمن الاجتماع الذي عقد يوم الثلاثاء، بالقرب من "مفرق جلغيم"، وسط البادية السورية، وذلك لكون من مثل هذه الهيئات هم من "إدارة أحرار الجنوب" المشكلة بطلب أردني من شخصيات مثلت ميليشيا "أحرار العشائر" التي يقودها المدعو "راكان خضير"، بينما حيدت "الإدارة المدنية لمخيم الركبان" التي يقودها المدعو "محمد الخالدي".
الاجتماع الذي دعت إليه هيئة المصالحة السورية والروسية، ضم ممثلين عن الدولة السورية من وزارة الإدارة المحلية وهيئة المصالحة الوطنية، ومكتب الأمن القومي، إضافة إلى ممثلين عن هيئة المصالحة الروسية، وممثل عن الهلال الحمر وممثل عن الأمم المتحدة، إضافة لما افترض أنه من "المجتمع المحلي لمخيم الركبان"، الذي تحاول القوات الأمريكية عرقلة تفكيكه على الرغم من كونه يمثل تهديداً بوقوع كارثة إنسانية لما يقدر بـ60 ألف شخص، منهم 45 ألف مدني والبقية من عوائل عناصر الميليشيات المسلحة المرتبطة بالتحالف الأمريكية وعلى رأسها "جيش أحرار العشائر– جيش مغاوير الثورة– لواء شهداء القريتين"، ويشكل ما يشبه خط الفصل بين المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية في البادية والمنطقة التي باتت معروفة باسم "الـ55 كم"، وهي المنطقة المحيطة ببلدة "التنف" التي تشهد تواجداً لقاعدة عسكرية أمريكية غير شرعية، ما جعل المخيم جدار بشري يحمي القاعدة الأمريكية والميليشيات المنتشرة في محيطها.
في صيف العام 2017 تحركت القوات السورية على أكثر من محور لتنهي وجود تنظيم "داعش" والميليشيات المرتبطة بالقوات الأمريكية في أجزاء واسعة من البادية السورية الممتدة في شرق محافظات "حمص – دمشق – السويداء"، من خلال معركة عرفت باسم "الفجر الكبرى"، وباتت القوات السورية تطوق منطقة التنف من كامل الجهات في الأراضي السورية ما أفقد "قاعدة التنف" استراتيجيتها في حسابات المصالح الأمريكية في الداخل السوري ضمن ما أسمته واشنطن حينها بـ"محاربة داعش"، إلا أن ضرورة التواجد في "التنف" لم ترتبط يوماً بقتال تنظيم أبي بكر البغدادي، فهي المانع الوحيد أمام استعادة الدولة السورية قدرتها على فتح الطريق التي تربط العاصمة دمشق مع العاصمة العراقية بغداد، فطريق التنف يعد الأكثر اقتصادية في أي تواصل تجاري بريا بين سوريا والعراق، الأمر الذي لا تريده واشنطن لعدة أسباب.
أبرز الرغبات الأمريكية من البقاء في الصحراء السورية، هو منع أي تواصل برّي بين الأراضي الإيرانية وسورية، لكونه يمثل تهديداً لـ"أمن إسرائيل" بحسب مزاعم حكومة الاحتلال، إذ أن أي تواصل برّي بين طهران ودمشق، سيعني وصول المساعدات العسكرية الإيرانية إلى المقاومة اللبنانية في حزب الله، وسيكون هذا الوصل البرّي بين العاصمتين السورية والإيرانية الأول من نوعه، فحتى بعد تبدل الواقع السياسي في العراق والمصالحة مع إيران، لم يحدث أي دخلت القوافل الإيرانية التجارية إلى الأراضي السورية من غرب العراق، وذلك أن تنظيم القاعدة في العراق الذي تحول لاحقا إلى داعش، كان يسيطر على صحراء الأنبار إلى ما قبل إقامة القاعدة الأمريكية بقليل من الوقت.
الاجتماع العسكري الثلاثي الذي جمع وزراء الدفاع في سوريا والعراق وإيران مؤخراً، كشف عن خطة لفتح "معبر البوكمال" الحدودي قريباً ليكون بديلاً عن "معبر التنف"، وهذا يعني أن البقاء الأمريكي في أقصى شرق البادية السورية لم يعد مثمراً، وعلى ذلك سيكون من الضروري الخروج من هذه البقعة الجغرافية، الأمر الذي سيجعل من تفكيك "مخيم الركبان"، ساعة صفر لبدء إخلاء هذه القاعدة، على أن يسبق ذلك خروج آمن للميليشيات نحو مناطق الشمال السوري لتنضم إلى من سبقها إلى عفرين والمناطق التي تسيطر عليها قوات الاحتلال التركي، ما يمكن واشنطن من خلق انتصار إعلامي جديد يتمثل بـ "حمايتها للمدنيين في الركبان".
الدولة السورية التي جهزت مقرات إقامة مؤقتة لمن يخرج من المخيم الذي شكل أعقد الملفات الإنسانية طوال السنوات الأربعة الماضية بسبب ظرفه المعاشي السيء، تعهدت عبر مكتب الأمن الوطني بإجراء تسوية لكامل سكانه، وإعطاء هوامش زمنية مناسبة لمن تخلف عن خدمة العلم الإلزامية أو الاحتياطية، إضافة لتقديم ضمانات بأن يشمل الفارين من الخدمة العسكرية بمرسوم العفو الأخير، كما سيكون ثمة إجراءات تسهل عودة المدنيين الراغبين إلى مناطقهم الأصلية التي نزحوا منها خلال وجود تنظيم "داعش".
تشكل الركبان قبل أربعة أعوام من خلال موجة نزوح كبيرة من المحافظات الشرقية "دير الزور – الرقة"، ومن مدن البادية "تدمر – مهين – القريتين"، نحو الحدود مع الأردن، هربا من وجود تنظيم "داعش" في مدنهم، ونتيجة لمنعهم من قبل حرس الحدود الأردني من متابعة الطريق إلى مخيمات الأردن، تشكل المخيم الذي كان يحوي نحو 85 ألفاً من خيام بنيت مما تيسر من الأقمشة ثم تحول بعضها إلى بيوت طينية، ونشطت حركة تهريب البشر عبر العراق والأردن في المخيم ليقل عددهم بشكل كبير، ثم عاد جزء منهم إلى قراهم في محافظة الرقة أو غادروا إلى تركيا، ليبقى نحو 60 ألفاً فقط.
مشكلة المخيم تكمن في منع الحكومة الأردنية لقوافل الأمم المتحدة من الدخول إليه عبر أراضيها، إضافة إلى اعتباره من قبل عمان تهديداً للأمن القومي الأردني، نتيجة لاحتمالية وجود خلايا من تنظيم "داعش" فيه، وازداد الوضع سوء داخل "الركبان" بسبب رفض الميليشيات المنتشرة فيه التنسيق مع الأمم المتحدة لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الأراضي السورية بحجة عدم رغبتها بالحوار مع الحكومة السورية، وخلال الأشهر الماضية مارست الحكومة الروسية ضغوطاً سياسية عالية المستوى على واشنطن عبر التصريحات المباشرة والتقارير الإعلامية بهدف إنهاء أزمة المخيم الذي يعد ورقة واشنطن الرابحة في البادية السورية، ويشير قبول الميليشيات لحضور مثل الاجتماع الذي عقد يوم أمس الثلاثاء، أن واشنطن قبلت بتفكيك أعقد الألغام الإنسانية في سوريا، فدفعت بـ "أزلامها" لحضور الاجتماع.
المصدر: خاص
شارك المقال: