"قطر" وترويض "النصرة" مجدداً !
محمود عبد اللطيف
خلال الأشهر الثلاث الماضية، نشطت بعض المنظمات القطرية تحت شعارات إنسانية في مدينة عفرين والمناطق المحيطة بها بريف حلب الشمالي الغربي، وإن كان الظاهر في الأمر هو تقديم المساعدات الإنسانية، إلا أن عملية التوزيع ترتبط بسياسة التفرقة العنصرية التي تمارسها قوات الاحتلال التركي في المنطقة، الأمر الذي يحيل الوجود القطري في المنطقة إلى وجوداً داعما للمشروع أنقرة في أخونة عفرين والمناطق المحيطة بها.
تقول مصادر محلية لـ "جريدتنا"، أن إحدى المنظمات تعرف باسم "قطر لإعادة الأمل للأرامل"، تنشط في المخيمات الواقعة بريف حلب الشمالي الغربي وريف إدلب الشمالي، كـ "مخيم أطمة" للتشيجع على الزواج من الأرامل اللواتي قتل أزواجهن خلال المعارك الدائرة في سوريا، ويحصل العريس على مبلغ 3 آلاف دولار أمريكي، وراتب شهري يقدر بـ 300 دولار يسلم للأرملة، كما تتكفل المنظمة بكامل تكاليف الزواج وتأمين "مسكن شرعي"، غالبا يكون من منازل المهجرين على يد الاحتلال التركي.
جمعية "عطاء بلا حدود" القطرية تعمل على توزيع مساعدات "إنسانية" على عوائل الميليشيات المسلحة القادمة من أرياف "دمشق – درعا – حمص – حماة"، إضافة لعوائل ميليشيا "نور الدين الزنكي" المطرودة مؤخراً من ريف حلب الجنوبي الغربي وريف إدلب على يد تنظيم "جبهة النصرة"، وهذه المساعدات يرافقها توزيع راتب شهري لكل عائلة يتراوح بين 50-100 دولار أمريكي، ويرتبط حجم المبلغ بعدد العائلة، إلا أن هذه المساعدات لا تشمل أبناء المنطقة الأصليين، والحجة أنها تقدم المساعدات لمن تسميهم بـ "المهجرين" فقط.
المساعدات القطرية لعوائل المسلحين، دفعت بزيادة عدد من غادروا ريف إدلب للاستقرار في الريف الشمالي الغربي من حلب، خاصة في القرى القريبة من الحدود مع "لواء إسكندرونة" الذي تحتله تركيا وتسميه بولاية "هاتاي"، ويبدو الأمر على إنه دعم قطري مباشر لمشروع التغيير الديموغرافي الذي تحاول أنقرة إحداثه في المنطقة بما يخدم ما تسميه بـ "الأمن القومي التركي"، الذي يعتبر أن الوجود الكردي في المناطق القريبة من الحدود خطراً على أمن الأراضي التركية.
ولضمان أمن المحمية الإخوانية التي تعمل كل من قطر وتركيا على إنشاءها، تمول الدوحة مشروعا تركيا لإقامة أبراج عسكرية في كامل المنطقة التي تمتد من "قلعة سمعان" على الحدود الجنوبية لريف حلب الشمالي الغربي مع إدلب، وصولاً إلى مفرق "إعزاز" الواقع إلى الجنوب من مدينة عفرين، وهذا القوس يرسم حدوداً عسكرية بين المناطق التي تحتلها تركيا، ومناطق ريف حلب الشمالي الأوسط الذي تسيطر عليه الدولة السورية.
في الآونة الأخيرة، عادت قطر لدفع رواتب عالية لمقاتلي تنظيم "جبهة النصرة"، بهدف إعادة تفعيل العلاقة ما بين الدوحة والتنظيم الذي يقوده "أبو محمد الجولاني"، ولعل ذلك ما مكّن التنظيم من إسعاف زعيمه إلى الأراضي التركية لتلقي العلاج بعد إصابته قبل شهر من الآن بعملية تفجير سيارة مفخخة وسط مدينة "إدلب" التي تعد المعقل الأساسي للتنظيم المرتبط بـ "القاعدة"، وهنا لابد من التذكير بالعلاقة المتينة التي تربط الدوحة بقيادات تنظيم "أيمن الظواهري"، ومن خلفه حركة طالبات الأفغانية، وهذا يعني إن قطر التي أخرجت بعد أزمتها مع الدول الخليجية من الملف السوري، تعود بقوة إلى الساحة الشمالية الغربية من سورية بهدف اللعب بأوراق الميدان مرة أخرى.
لم تخجل الدوحة من دعمها للعملية العدوانية التي احتلت من خلالها القوات التركية عفرين والمناطق التابعة لها خلال آذار من العام الماضي والتي أسميت حينذاك بـ "غصن الزيتون"، ولم تخفي حكومة النظام القطري في أوقات سابقة من عمر الأزمة السورية علاقتها بتنظيم جبهة النصرة، ويبدو أن الدور القطري في المرحلة الحالية ينصب في دعم المشروع التركي في إقامة منطقة آمنة لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في عدد كبير من الدول العربية، والثاني إعادة ترويض "جبهة النصرة" وتمويلها لمواجهة أي عملية عسكرية سورية قادمة بعد فشل أنقرة في إجبار الجولاني وحلفاءه على تطبيق "اتفاق سوتشي" الذي يقضي بإقامة منطقة منزوعة السلاح في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي.
المصدر: خاص
شارك المقال: