حول موازنة «2020».. «مؤشرات مقلقة واستحقاقات لا تحتمل التأخير»
د.مدين علي
بلغ إجمالي الاعتمادات المقدرة بالموازنة العامة للدولة السورية، لعام 2020 حوالي (4000) مليار ل.س، وذلك بزيادة بمقدار 118 مليار ل.س عن عام 2019، إذ بلغ إجمالي الاعتمادات آنذاك (3882) مليار ل.س. أي أن حجم الاعتمادات، ازداد بين عامي 2019 و2020 بمعدل نمو إجمالي بلغ حوالي 3 %.
في الوقت الذي بلغ فيه حجم الإيرادات المقدرة لعام 2020 حوالي (2545) مليار ل. س، وذلك بانخفاضٍ، مقداره (391) مليار ل.س عن عام 2019، إذ بلغت الاعتمادات المرصودة آنذاك حوالي (2936) مليار ل.س. أي أن الإيرادات قد تراجعت، بمعدل نمو مقداره (ــ 13.3%) % عام 2020، بالنسبة لعام 2019 وعليه، فقد بلغ إجمالي حجم العجز المقدر لعام 2020 حوالي (1455) مليار ل.س. ما يعني أن العجز المالي المقدر، قد ازداد بمعدل نمو، بلغ (53.8 %). بالنسبة لما كان عليه عام 2019، ماذا تعني هذه المؤشرات، وما هي دلالاتها التنموية، وكيف سيتم تمويل العجز المتنامي بقوة.
تبين مؤشرات المالية العامة لعام 2020، أن حجم العجز المالي، قد بلغ حدوداً قياسية، تنذر بعواقب اقتصادية كبيرة، ستظهر نتائجها بوضوح، من خلال ارتفاع المستوى العام للأسعار، وارتفاع معدل التضخم، وبالتالي تراجع مستوى القوة الشرائية للدخل، ومن ثم تراجع مستوى المعيشة، وارتفاع منسوب الفقر والبطالة، مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من تراجع كبير، في مؤشرات التنمية، في مجالات التربية والصحة والتعليم، وغير ذلك من المؤشرات، ذات الصلة بنوعية الحياة.
كما وتشير بيانات الموازنة العامة للدولة، إلى أن تمويل العجز، سيتم عن طريق بعض الموارد والقروض الخارجية بمقدار (1.44) مليار ل.س، في الوقت الذي سيتم فيه تمويل القسم المتبقي، عن طريق السحب من الاحتياطي بمقدار (1453.94) مليار ل.س، وهذا يعني تزايد الاعتماد الحكومي بصورة ملحوظة، على مصادر التمويل الاستثنائية، إذ سيرتفع حجم المسحوب من الاحتياطي (من المركزي) من (939.33) مليار ل.س عام 2019 إلى (1453.93) عام 2020، أي بزيادة مقدارها (54.78) % ، بينما سيتراجع حجم الموارد والقروض الخارجية من (6.247) مليار ل.س عام 2019 إلى (1.44)، أي أنه سيتراجع بمعدل (-76.95 ) %.
وهذا سيترتب عليه نتائج اقتصادية مؤلمةٌ جداً وسلبية من الناحية الاقتصادية. إذ أنه وفي ضوء التزايد الكبير في حجم الفجوة، بين معدل نمو حجم الكتلة النقدية، المطروحة في التداول، وبين معدل النمو في حجم الاقتصاد الحقيقي (الإنتاج السلعي والخدمي، الذي يعيش حالة ركودٍ خانق)، سيتجه المستوى العام للأسعار للارتفاع، وبالتالي ستتشكل فجوة تضخم إضافية في مستوى متقدم، ستدفع نحو مزيدٍ من التعقيد في مضمون المشكلة الاقتصادية في سورية، وفي طبيعتها ومتطلبات حلها، لطالما أنها ستلقي مزيداً من الزيت على نار التضخم والأسعار الملتهبة. وفي سياق متصل، تبين الاعتمادات المرصودة لعام 2020، أن نصيب الإنفاق الاستثماري، قد بلغ (1300) مليار ل.س، ما يشكل (32.5%) فقط من إجمالي الاعتمادات المرصودة، وهي نسبة منخفضة جداً، بالمقارنة مع حجم الإنفاق الاستثماري المطلوب لإعادة تأهيل البنية الاقتصادية، (الإنتاجية والخدمية)، وتمويل الإنفاق الاستثماري، اللازم لتعزيز فرص النمو لعام 2020. في الوقت الذي بلغ فيه نصيب الإنفاق الجاري، (المصاريف الإدارية والمالية والرواتب والأجور والنفقات التحويلية، ومدفوعات خدمة الدين والالتزامات الواجبة الأداء) حوالي (2700) مليار ل.س، أي ما يعادل (67.5%). من إجمالي اعتمادات الموازنة العام لعام 2020.
ويبقى الأبرز في هذا السياق، هو الإشارة إلى الانخفاض الكبير في المبالغ المرصودة للدعم الاجتماعي، من (1511) مليار ل.س عام 2019 إلى (1084) عام 2020، أي أنه تراجع بمعدل (28.2%-)، وهذا التراجع يعود بصورة أساسية للإجراء المتخذ في عملية إعداد الموازنة، والمتضمن تخفيض الدعم المقرر للمشتقات النفطية، من (430) مليار ل.س عام 2019 إلى (11) مليار ل.س عام 2020 أي أن دعم المشتقات النفطية سيتراجع بمقدار (97.4%)، ما سيتسبب بارتفاعٍ مضاعفٍ في تكاليف المشتقات النفطية، الأمر الذي سينعكس بصورة ارتفاعٍ كبيرٍ في التكاليف، وفي المستوى العام للأسعار، وفي معدل التضخم في العام المقبل.
مما تقدم يتبين بصورة واضحة أننا أمام سيناريو اقتصادي، قاسي ومؤلم، ومكلف من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، للعام 2020، لا يمكن أن يُعالج بأدوات محدودة أو بسياسات بسيطة، ولا برؤى تقليدية، ولا يمكن الانتظار زمنياً، أكثر من حدود معينة، لتنفيذ إجراءات اقتصادية نوعية "جراحية" على مستوى الهيكل والبنى والأدوات.
لقد اتجهت الحكومة السورية، نحو اتخاذ إجراءات متشددة، لجهة ما يتعلق بضغط الإنفاق العام، وتخفيضه بحدود (40%)، وهذا الإجراء، قد يساعد في تحقيق بعض الوفورات، ويساعد في الحد من تزايد مستوى العجز، إلا أن الأبرز في سياق المواجهة العملية للاستحقاقات المنتظرة، والذي يتعين على الحكومة والإدارات المالية المختصة، أن تعمل بقوة لأجلها، وبسرعة فائقة (دون تأخير)، هو تحفيز الإنتاج والنمو، واستعادة دور الموارد الطبيعية، كمصدر تمويل حقيقي للإنفاق العام، والحد من مظاهر الهدر والفساد، وضبط عمليات الاستيراد، وتقييدها بضوابط متشددة، وحصرها ضمن أولويات محددة، وإعادة النظر بسياسة توزيع الدخول واستثمار الموارد ، وذلك كمدخل للتقليل من مدى الاعتماد على مصادر التمويل الاستثنائية.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: