"اليوم الأخير".. أنثى تواجه ذكورة الحرب
بديع صنيج
كيف تقف أنثى بكامل بهائها أمام ذكورة الحرب وظُلْمِها؟ وهل تستطيع أن تنتشل نفسها من خواء الأيام التي تتكرر ثقيلةً كما صخرة سيزيف إلى ما لا نهاية؟ وفي ظل البحث عن الحب والأمان والطمأنينة والسلام ومعنى الوجود، ما الموقف الذي ينبغي عليها السعي لاتخاذه والتعبير عنه والتأكيد عليه في مواجهة هذا الخواء والعبثية واللاجدوى وانعدام الأمل؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحتها الممثلة "مروة الأطرش" في عرض مونودراما "اليوم الأخير" (إخراج يزن الداهوك وإشراف ممدوح الأطرش) الذي تُجرى بروفاته في مسرح القباني، بعد أن قُبِلَت فكرة المشروع للمشاركة في مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي 2019، والمميز إلى جانب النص المشغول بتصعيدية مستمرة، هو قدرة "الأطرش" على ملء فراغ الخشبة بحيوية، وتعزيز رؤية "الداهوك" من حيث الاشتغال على المجازات الحركية بسوية عالية، فاللغة وتجاوراتها بين الفصحى والعامية، كانت رديفاً للغة أخرى اشتغلت عليها الممثلة، واضعةً نصب عينيها الحركة كمولِّد عظيم للدراما، حيث تكثفت المجازات الجسدية، وبات القلق الذي تعاني منه شخصية تلك الكاتبة بمثابة مُعزِّز للأداء، لاسيما أنها تسعى لتقديم شهادة عن هذه الحرب، ليس على الورق، وإنما أمام الكاميرا، ليُصبح البصري طاغياً على المحكي، ولينتقل الحوار مع الذات، إلا درجة أعلى عبر تصعيده وتحويله إلى تعبير بصوتٍ عالٍ وحركيةٍ مميزة، تتخذ من خلالها كل إيماءة بُعداً جديداً، وكل حركة يد أو ساق دلالة معينة، بحيث تحوّل الشال إلى ذَكَرٍ مفقود، وتارةً يتحول إلى حجاب للرأس، ومرة وسيلة للإغواء، وفي الوقت ذاته تتراكم أصوات القذائف وتتواشج مع صراخ الكاتبة التي تُحاول أن تعلو بصوتها في محاولة لأن تكون ندَّاً لها، وللحرب التي جلبتها، وكأن في إعلاء الصوت رغبة لاكتشاف الذات في مواجهة العبث المسيطر، خاصةً بعد إعلان تلك الأنثى أنها لم تعد قادرة على الجلوس، وأنها لا تحب نفسها كما كنت في الماضي، ولا الشعور بأنها لا تملك شيئاً، بينما ينال غيرها الكثير وهم ليسوا أفضل منها في شيء. هنا تتوهج المُحاججة وتعلو النبرة في وجه ذَكَرٍ ما، أو ربما هو الحرب بكامل رعونتها: «أنت لا تعرف معنى أن تجلس هنا وترى الشهور تتساقط»، وسط إضاءة صفراء خافتة، وموسيقى تعزز جو التوتر، وخشبة عارية إلا من كاميرا منتصبة وسط مقدمة الخشبة، ودمية قماشية ملونة، وامرأة تتشح بالسواد، لا تُريد لشهادتها أن تنتهي بكل تلك القتامة، فترجو أن يتاح لها فسحة لتحتفل بعيد ميلادها، وهو ما يحصل لتصبح "الأطرش" كلوحة الطفلة الباسمة الباكية، في استعارة فنية لدراما مُضادة للحرب رغم أنها تستعير كل تفاصيلها منه.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: