انتفاضات الربيع العربي والثورات الملونة: بصمات لمخرج واحد
فارس الجيرودي
مع أنه لا يمكن تفسير الانتفاضات الشعبية التي تجتاح الشارعين الجزائري والسوداني بالأسباب الخارجية فقط، إلا أنه لا يمكن إغفال تلك التدخلات لتفسير ما يجري، إذ يبدو أن الغرب يستغل إخفاق الحكومات الوطنية في تحقيق هدف "التنمية الاقتصادية"، من أجل إثارة الفوضى في تلك البلدان، والإطاحة باستقلالها، وإدخالها في دوامةٍ من الفوضى.
فبينما يفتح كثيرون في العالم العربي أفواههم من شدة الإعجاب بالإخراج المشهدي المبهر للمظاهرات في كل من السودان والجزائر، ومن الإبداع في استخدام أساليب السخرية في اللافتات التي يرفعها المحتجون، لا يعلم هؤلاء أن ما يجري اليوم مع مستهل الجزء الثاني من مسلسل الربيع وما حدث قبله خلال بدايات الجزء الأول من هذا المسلسل، مستنسخ مع بعض التطوير من «الثورات الملونة» التي اجتاحت دول أوروبا الشرقية القريبة من روسيا وبعض دول آسيا الوسطى مع بدايات القرن الحادي والعشرين، وكان الهدف الأساسي منها في ذلك الحين إسقاط الأنظمة الحليفة لروسيا في المنطقتين، بهدف إحكام الحصار على "الاتحاد الروسي"، وصولاً لإشعال الثورات داخله، ومن هذه الثورات الملونة «الثورة الوردية في جورجيا، الثورة البرتقالية في أوكرانيا، وثورة التوليب أو ثورة السوسن أو ثورة الزنبق أو ثورة الأقحوان أو الثورة الزهرية في قيرغيزيا، ولاحقاً ثورة الأرز في لبنان عام 2005 والتي كانت أول تطبيق لهذا النموذج في المنطقة العربية».
وهنا يبرز اسم منظمة "كانفاس" الصربية المعنية بتطبيق استراتيجيات تحريك وتنظيم الاحتجاجات في البلدان التي تقرر الولايات المتحدة إسقاط أنظمتها وذلك كله تحت شعار "اللاعنف والكفاح السلمي"، وكما ثبت بالوثائق أن "كانفاس" قامت بتدريب عدد كبير من النشطاء العرب قبل وخلال وبعد الثورات العربية حول كيفية إحداث التغيير في بلادهم، وتنظيم الناس من أجل النضال لنشر الحرية والديمقراطية فيها، ويبدو أن التدريب والتمويل بدأ قبل بضع سنوات تقريباً من اندلاع الثورات العربية.
ومن الأسماء التي ورد ذكرها في هذا السياق حسب وثائق "ويكيليكس"، السوريان "أُسامة مُناجد" و"رضوان زيادة" اللذان حصلا على التمويل منذ عام 2007، والمصري "أحمد محّمد عادل" الذي تدرّب في "صربيا" في عام 2009، واليمنية "توكُل كرمان" التي ارتبطت بعلاقات وطيدة مع السفارة الأمريكية في (صنعاء) وكانت قد ذهبت إلى (أمريكا) والتقت بـ "ميشال أوباما" و"هيلاري كلينتون" في عام 2010، وفي العام نفسه ذكرت "هيلاري كلينتون" في خُطبتها المشهورة على الإنترنت "باسم سمير" الناشط السياسي المصري، كما اعترف المعارض السوري "كمال اللبواني" بحصوله على تمويل من الخارجية الأمريكية، استخدم جزءاً منه لتأسيس فضائية "بردى" المعارضة، ودفع وجزءاً آخر كرواتب للصحفيين الذين ينتقدون الدولة السورية في ملحق صحيفة النهار، وفي مواقع الكترونية منها «كلنا شركاء».
وتعود قصة منظمة "كانفاس" الصربية إلى العام 2000 حين نجحت حركة "أوتبور" الصربية، في استثمار قصف الناتو العنيف لصربيا لإطلاق «انتفاضة سلمية» أسقطت حكومة "ميلوزيفيتش" غير الموالية للغرب، واستبدالها بحكومة موالية لوشنطن، واستناداً إلى هذا النجاح، قام قائدا الانتفاضة "سجردا بوبوفيتش" و"إيفان ماروفيتش"، بتأسيس كانفاس «كمؤسسة مختصة بتصدير الديمقراطية عن طريق تدريب جميع الثوريين عبر العالم».
والمركز المذكور ممول من منظمة «فريدوم هاوس» الصهيونية الأمريكية، ومن الملياردير اليهودي "جورج سوروس" شخصياً، ومن "المعهد الجمهوري الدولي" الذي رأسه "جون ماكين" أحد عتاة النواب الجمهوريين اليمنيين.
وبحسب الخبير الجزائري "أحمد بن سعدة" فقد موّلت "الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان" بدءاً من عام 2010 ولعدة سنوات، معظم المنظمات اللاحكومية الجزائرية التي تشكل غرفة علميات الحراك الشعبي الحالي، وذلك عندما كان "مصطفى بوشاشي"، أحد الرموز الشعبية للحراك الراهن، على رأسها، ويتساءل بن سعدة عن صمت بوشاشي في مواجهة اتهامات "حسين زهوان"، الذي سبقه في رئاسة الرابطة، عن علاقاته مع الخارجية الأميركية: «لماذا لا يجيب بوشاشي عن هذه الأسئلة؟».
رمز آخر للاحتجاجات متهم ببناء علاقات غامضة مع إسلاميي «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، الذين تورطوا في العنف الذي أدى إلى "العشرية السوداء"، وهو "كريم طبو"، الذي وقّع وثيقة "التحالف الوطني للتغيير"، إلى جانب قيادات بارزة من الجبهة كـ"أنور هدام" و"مراد دهينة".
ويقف كل من "مصطفى بوشاشي"و"كريم طبو" و"سعيد سعدي"، ضد خيار الحوار الوطني والالتزام بالدستور الذي تطرحه المؤسسة العسكرية الجزائرية كحل للخروج من الأزمة، مما يثير حول تلك الأسماء شبهات العمل لصالح جهات خارجية تدفع بالبلد نحو الفوضى.
المصدر: خاص
شارك المقال: