Sunday November 24, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

سلم الرواتب والأجور والمستوى العام للأسعار

سلم الرواتب والأجور والمستوى العام للأسعار

د.مدين علي 

باتت مظاهر الاختلال الحاد بين الدخل والاستهلاك واضحة بقوة في سوريا، تبرز عن طريق مؤشرات  اقتصادية واجتماعية مختلفة، بسيطة ومركبة، يندرج في مقدمتها، الانخفاض الكبير في مستوى العيش، والتراجع في نوعية الحياة، وصعوبة الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية والتربوية، لشرائح كبيرة من الشعب السوري، بكل مكوناته الاجتماعية والطبقية، ما ينذر بمخاطر كبيرة، ربما تنفتح على نتائج وتداعيات، قد لا تحمد عقباها ولا يمكن احتواء مفاعيلها السلبية.

وفي كافة الأحوال، إن الانخفاض الكبير في  القوة الشرائية، لغالبية عظمى من الشعب السوري، لاسيما أصحاب الدخل المحدود والمرتبات، تحديداً (العاملون في الدولة )، الناجم أصلاً، عن الارتفاع التراكمي الحاد في المستوى العام للأسعار، يرتبط بدوره بأسباب كثيرة، وعوامل عديدة  يندرج في مقدمتها:  الانخفاض الكبير في سعر صرف الليرة السورية، والدور البارز بقوة  لحالة الفوضى في السوق، وغياب الأجهزة الرقابية والتموينية، وفساد بعض مكوناتها، وانفلات السوق، وتحكم قبضة مافيات الاحتكار، وتجار السوق السوداء.

لكن جذور المشكلة الاقتصادية، لا تنحصر عملياً، في نطاق مفاعيل انخفاض سعر الصرف ، بل تتجاوز ذلك، ليتبين لنا بصورة واضحة، أن أسباب المشكلة، تكمن إلى حدٍّ كبيرٍ في  طبيعة سلم الرواتب، وهيكل الأجور، الذي يعاني من اختلالات حادّة، ونقاط ضعفٍ بنيوية تاريخية، يمكن الإشارة إليها عن طريق الآتي:

انخفاض مستوى راتب بدء التعيين بصورة عامة، إذ يبدأ العامل، أو الموظف حياته الوظيفية، براتب بدء تعيين، يتراوح بين (23000) ل.س لمختلف الشهادات الجامعية، بما في ذلك شهادة الهندسة، أي  حوالي (36) دولار شهرياً، و(20000) ل.س للشهادة الثانوية، أي حوالي(30) دولار شهرياً، وينهي الموظف عمله بعد ثلاثين عاماً خدمة في الدولة، براتب تقاعدي، بسقف تقاعدي يصل  حدود (43000) ل.س للشهادة الثانوية والمعاهد المتوسطة، أي حوالي (66) دولار شهرياً، و(49000) ل.س للشهادة الجامعية، أي حوالي(75) دولار شهرياً.  

لا يأخذ سلم الرواتب والأجور بالحسبان، مستوى الشهادات، ولا أهمية الاختصاص، ولا نوعية المعارف، ولا أهميتها، ولا مستوى التأهيل.  وهذا يبرز بوضوح من خلال ضوابط سلم الأجور وهيكل الرواتب، الذي ينظم مسألة التعيين في الوظيفة العامة، بأسلوب عشوائي، ومنطق غير متوازن. إذ  أنه وبموجب النظام المذكور، لا يتجاوز الفرق، بين راتب بدء التعيين لحملة الشهادة الثانوية، وراتب بدء التعيين لحملة الإجازة في الهندسة، من مختلف التخصصات (في المعلوماتية والكهرباء والمعمارية والمدنية ...!)، أو أي إجازة جامعية أخرى ، حدود (4000) ل.س. 

إن سلم  الرواتب والأجور، ونظام التعويضات في سوريا، إلى جانب الانخفاض الكبير في القوة الشرائية للدخول، كل ذلك، يشكل عوامل طاردة، للكفاءات الحقيقية، وللكوادر البشرية  النوعية، التي اتجهت جرّاء ضغوط الحاجات المادية، إضافة للضغوط الإدارية والوظيفية، نحو البحث عن خلاصها، بوسائل مختلفة،  إما في الداخل، حيث تتوافر الفرص لدى القطاع الخاص، وإما في الخارج، حيث يتوفر مكان للهجرة ، ويبقى الخاسر الأكبر في كافة الأحوال، هو الشعب السوري، والدولة السورية، التي تفقد كوادرها، بصورة تدريجية وتراكمية، في الوقت الذي تعجز فيه المؤسسات التعليمية والتدريبية الراهنة، عن تأمين الكوادر البديلة، أو ترميم الفواقد بالكم والكيف. 

في ضوء مال تقدم،  يتعيّن على الحكومة السورية، أن تتخذ خطوات نوعية، وأن تنفذ إجراءات عاجلة، لجهة ما يتعلق بعملية إعادة النظر، بسلم الرواتب، وهيكل الأجور، وتصميمه بصورةٍ،  تساعد في منح مزايا نسبية، لحملة التخصصات النوعية، ولأصحاب الشهادات الفنية والتقنية، مع ضرورة  الأخذ بالحسبان، أهمية الانطلاق، من حد أدنى للرواتب والأجور، يحقق التوازن، بين الدخل و المستوى العام للأسعار. 

كما يتعين على الحكومة السورية أن تأخذ بالحسبان أيضاً ، ضرورة أن تتزامن الإجراءات والسياسات السابقة، مع عملية إعادة هيكلة شاملة، للبنى والهياكل الإدارية، وللمؤسسات الإنتاجية والخدمية، وإجراء توصيف دقيق للملاكات الوظيفية، مع ضرورة إعادة النظر بمدى الحاجة والضرورة، لكثيرٍ من الهيئات والمؤسسات، وذلك بموجب عملية تقييم، يجب أن تنتهي إلى تقييمات حقيقية، يمكن أن تؤسس لمقترحات جدية، تؤكد على ضرورة الإبقاء على المؤسسات، والبنى الناجحة والرابحة، إضافة إلى تلك التي يمكن أن تصبح ناجحة ورابحة، إذا ما توافرت لها مجموعة من الإجراءات والتدابير السياساتية.

وتصفية المؤسسات، والبنى الإدارية الطفيلية والعشوائية، التي باتت تشكل بواقعها، ومتطلبات استمرارها، نزيفاً خطيراً، لخزينة الدولة، والموازنة العامة في سوريا، كما تشكل عبئاً ً اقتصادياً حقيقياً، على الدولة والمجتمع في سوريا. 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: