عن زيادة الرواتب والأجور في سوريا
الدكتور مدين علي
يعيش الاقتصاد السوري حالة ركود اقتصادي عميق، يعود لتأثير مجموعة كبيرة من العوامل والأسباب، التي تتعلق بظروف الحرب الدائرة في سوريا، والعقوبات المفروضة عليها، والتي انتجت من الناحية العملية، كل الوقائع والمعطيات، التي أدت إلى تباطؤ شديدٍ في معدل النمو الاقتصادي، وتسببت في انخفاضٍ كبيرٍ في مستوى الإنتاج والإنتاجية، وبالتالي تراجع مستوى الطلب على المستوى الكلي، جراء انخفاض مستوى الرواتب والأجور، تحديداً أجور ورواتب العاملين في مؤسسات الدولة والقطاع العام. مع أهمية الأخذ بالحسبان، تأثير المضاعفات السلبية لمجريات الأحداث السياسية والاقتصادية والأمنية، الجارية في دول الجوار الإقليمي المحيطة بسوريا، تحديداً العراق ولبنان.
هذا ويعد المرسوم التشريعي رقم (23) لعام 2019 القاضي بزيادة الرواتب والأجور بمقدار (20000) ل.س، وإضافة مبلغ (11500 علاوة غلاء معيشة، كانت تُقبض سابقاً) إلى أصل الراتب، خطوةً كبيرة في الاتجاه الصحيح، نحو تصويب المسار، وتسوية الاختلال الحاصل، بين طرفي المعادلة الاقتصادية في سوريا، تحديداً في جانب الطلب، الذي تراجع بصورة كبيرة جداً، جراء الارتفاع المتسارع في المستوى العام للأسعار، ما جعل حجم السيولة المتاح، دون المستوى اللازم، لتوليد مستويات طلب إضافية، تحقق التوازن الاقتصادي على المستوى الكلي. في ضوء ذلك فإن الزيادة الراهنة في كتلة الرواتب والأجور، ستسهم في ضخ سيولة نقدية في السوق السورية، يمكن أن تساعد في تحفيز الطلب على المستوى الكلي.
وفي الواقع إن مفاعيل تراجع حجم السيولة النقدية، وتأثيراتها السلبية، لم تبق محصورة في نطاق تراجع مستوى الطلب على المستوى الكلي فقط، بل تجاوزته، إلى جانب التأثير على مستوى العرض الكلي، الذي تراجع بمعدلات كبيرة، جراء تراجع القدرة على البيع والتصريف، ما دفع قطاع الأعمال نحو التباطؤ والتردد في تنفيذ الخطط الاستثمارية التوسعية، التي كانت تستهدف زيادة حجم الطاقات الإنتاجية، ورفع مستوى التشغيل والاستخدام. ما أدى بدوره إلى تراجعٍ مستوى الطلب على مدخلات الإنتاج وعناصر الإنتاج المختلفة، (أي الطلب على رأس المال وقوة العمل والموارد الطبيعية).
وهذا برز بصورة واضحة، عن طريق مؤشرات عديدة منها: انخفاض مستوى الإقبال لقطاع الأعمال على الاقتراض والتمويل والاستثمار والتوظيف للموارد المالية والبشرية.
في كافة الأحوال، إن زيادة الرواتب والأجور الراهنة، التي جاءت بموجب المرسوم رقم (23) لعام 2019، تعد الأعلى والأهم في تاريخ سورية، من حيث النسبة والتناسب، يمكن أن تساعد إلى حدٍّ كبيرٍ في زيادة مستويات الدخول، ومن ثم زيادة القدرة على تمويل الإنفاق بشقيه الاستهلاكي والاستثماري، وبالتالي الإقبال على الاقتراض والإستلاف من البنوك، ومؤسسات التمويل العامة والخاصة، ما سيولد حلقات دخول إضافية، ستنعكس بصورة إيجابية، على مستوى المؤشرات التنموية، ونوعية الحياة للمواطن السوري.
إلا أن الحفاظ على المكاسب العملية لهذه الزيادة، وتحويلها إلى فرصة لزيادة الدخول بصورة حقيقية، لزوم انتعاش الاقتصاد السوري، وإخراجه من حالة الركود والانكماش، يتطلب من الحكومة السورية العمل بالتوازي، لاتخاذ مجموعة كبيرة من الإجراءات والتدابير، اللازمة لكسر قيود الاحتكار، وتفكيك حلقاته المختلفة، بكل مستوياتها، والحد من قدرة المافيا وشبكات الفساد وتجار السوق على التلاعب بالأسعار والكميات في السوق، إضافة لضرورة تنفيذ الحكومة لبرنامج عمل، يتضمن مجموعة من الإجراءات والتدابير اللازمة لتنشيط دورة الإنتاج، وتحفيز النمو، بما يساعد في زيادة حجم الكتلة السلعية اللازمة، لتضييق حجم الفجوة الراهنة بينها وبين الكتلة النقدية، وذلك كمدخل لاستعادة التوازن على المستوى الاقتصادي الكلي، كي لا تنفتح فجوة التضخم الراهنة على حلقة إضافية، تدفع المستوى العام للأسعار، للتحرك نحو الارتفاع من جديد ، بمسارٍ لولبيٍ صاعد، يؤدي إلى تفويت الفرصة، وإضاعة معنى الزيادة، وتفريغها من مضمونها الاقتصادي والاجتماعي الراهن والاستراتيجي.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: