عملية الإسكان في سوريا تحتاج لرؤية جديدة
الدكتور مدين علي
اضطلعت الجمعيات السكنية بدور تاريخي، لجهة ما يتعلق بالإسكان وتوفير السكن في جميع المناطق والمحافظات السورية دون استثناء، ولمختلف الشرائح والمكونات الاقتصادية والاجتماعية في سوريا.
إلا أن عمل الجمعيات السكنية طوال العقود الماضية، لم يخلو في الواقع من صعوبات وتحديات، انعكست بصورة مباشرة على أداء هذه الجمعيات، وعلى مستوى إنجازاتها، التي لم ترق إلى مستوى الطموح والآمال، التي كانت معقودة عليها، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى بعض هذه الصعوبات والتحديات عن طريق الآتي:
* النقص في التمويل وعدم كفاية الموارد، وهذا يعود في الواقع لأسباب كثيرة، منها: تأخر سداد المكتتبين للدفعات المستحقة والأقساط واجبة الدفع، وذلك لأسباب مختلفة، ربما يندرج في مقدمتها انخفاض مستوى الدخول والمرتبات.
* عدم وجود أراضي تتوافر فيها الشروط والمتطلبات اللازمة للبناء، لا سيما شرط التنظيم العمراني، والتخطيط الحضري.
* الفساد وغياب معايير الشفافية، وهي حالة قائمة في معظم الجمعيات التي تحولت إلى مصادر دخل وإثراء، للعديد من الكوادر القائمة على إدارتها.
* التضخم والارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار، ما جعل تكاليف البناء ترتفع بصورة مستمرة، وقد انعكس ذلك بصورة مباشرة على إمكانات تمويل الجمعيات.
* تعثر قسم كبير من الجمعيات، نتيجة الاقتراض، والرهان على مصادر التمويل المصرفية، في الوقت الذي استمرت فيه مظاهر الهدر والفساد، واستمر استهلاك الكثير من الوقت لإنجاز القليل من المساكن، وتأخر المكتتبين عن السداد، كل ذلك أسهم في تحويل قسم كبير من الجمعيات السكنية، إلى قائمة المدينين المتعثرين، ما رتب عليهم استحقاقات مالية كبيرة، جعلت معظم الجمعيات غير قادرة على سداد كتلة الدين، ولا حتى على الجدولة.
* التأخر في تقديم الخدمات الحكومية (الكهرباء، والمياه، والاتصالات ، .....) إلى الكثير من المناطق التي تم الترخيص فيها للجمعيات السكنية.
* طبيعة القوانين والتشريعات الناظمة لعمل هذه الجمعيات، تحديداً لجهة ما يتعلق بالتضامن والتكافل في المسؤولية المالية تجاه الغير، لا سيما الجهات المصرفية.
إلا أن المشكلة الأبرز لا تكمن فقط، في الصعوبات والتحديات التي أشرنا إليها، بل تكمن في جوانب أخرى، يندرج في مقدمتها التقصير، وضعف مستوى الأداء للقائمين على أمر إدارة هذه الجمعيات.
كما أن المشكلة الأبرز، تبين لنا، أنها لا تتولد أيضاً من النقص في التمويل في غالب الأحيان، إذ يوجد أرصدة مالية وحسابات مصرفية وودائع في البنوك والمصارف مدخرة منذ سنوات، في الوقت الذي مضى فيه على الاكتتاب سنوات طويلة، ومازال المكتتبون ينتظرون استلام الشقق والمساكن لزمن قارب (20) عاماً.
وفي الواقع إن والبطء في الإنجاز، وانخفاض مستوى الأداء، يجعل الجمعيات في مواجهة مستمرة مع الارتفاع في التكاليف، جراء ارتفاع الأسعار، ما يدفع القائمين على أمور إدارتها بصورة دائمة،لإعادة التقييم، واحتساب كلف التسليم على أساس الأسعار والتكاليف الجارية، التي غالباً ما تنمو بمعدلات، تتجاوز بكثير قدرات المكتتبين، ما يدفع قسماً كبيراً منهم، للانسحاب، أو لبيع رقم الاكتتاب، مقابل ربحاً معيناً، وغالباً ما تتم العملية بصورة يكتنفها الكثير من الغموض، وعدم الشفافية.
تتطلب المرحلة الراهنة في سورية، حشد كافة القوى ومختلف الفعاليات، التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في مرحلة إعادة الإعمار، وهذا يستلزم تنفيذ مجموعة من السياسات والإجراءات، منها:
* إعادة تقييم دور الجمعيات، كمدخل لحوكمة عملها، بصورة تساعد في تحسين مستوى خدماتها، وإنجاز مهامها وتحقيق أهدافها، التي يندرج في مقدمتها تأمين السكن للمكتتبين، ضمن الشروط والمواصفات العقدية المتفق عليها.
* الضغط على الجمعيات السكنية، ودفعها لتحريك الأرصدة والحسابات، لتوظيفها في تمويل عمليات شراء الأراضي و الإنشاء.
* الإسراع في إنجاز المخططات التنظيمية، ما يتيح الفرصة والإمكانية لتأمين الأراضي اللازمة للبناء.
* إعادة النظر بواقع الاتحاد العام السكني، انطلاقاً من طبيعة المهام، وتقييم مستوى الأداء، وذلك كمدخل أساس لإعادة النظر بدور الجمعيات السكنية
* التوسع في إنجاز وتنفيذ شبكات الخدمة الصحية والتربوية وخدمات الاتصالات والكهرباء.
في كافة الأحوال، إن عملية الإسكان في سوريا تحتاج رؤية جديدة تنطلق من سياسة إسكانية مدروسة، آخذة بالحسبان الاحتياجات السكنية، وحجم المعروض من المساكن، كما تتطلب في الوقت ذاته، أن تكون السياسة السكانية متكاملة لتأخذ بالحسبان شروط النمو والتنمية الحضري، ومتطلبات النمو العمراني المُستدام.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: