"اعترض عكيفك أخي المواطن.. ما عم نسمعك أصلاً"
كريم مهند شمس
"تفضل عبر عن رأيك، صحيح ما رح نغير شي، لكن عبر عم نسمعك" جملة بسيطة وجهها أحد عمال مطعم للوجبات سريعة رداً على احتجاج زبون من زيادة الملح في طلبه.
وبالرغم من ودية الحوار الذي انتهى بجملة "الله عالديموقراطية"، إلا أن رد البائع أيقظ في وعي "أحمد" قناعة دفينة بأن رأيه لا يهم أحد، وذلك لكونه يعيش على هامش الوطن مستأنساً بملايين المواطنين الآخرين مثله الذين يقبلون بتجاهلهم إذما أُنصت لهم على الأقل.
حيث استحضرت ذاكرته كمّ الاعتراضات الهائل الذي سبق وأن قدمهم الشاب وقوبلوا بالتجاهل.
فمنذ سنوات دراسته الأولى عندما طالب آنسة الصف بإعادة النظر في ورقته ظناً منه أنه يستحق علامة أعلى لتأتيه إجابة لاذعة علمته الصمت حينها وبقي "على نصته" هكذا حتى تخرج من الجامعة.
وفهم مبكراً أن طلبات الاعتراض التي تُقدم في شؤون طلاب الجامعة ليست سوى مضيعة لمال أحرى به أن يُنفق على وجبة "شاورما" بدلا عن الرسوم والطوابع، لأن لا أحد حقاً يكترث لشكواه، وإن كانت بمكانها.
وهكذا نال الصمت من شخصيته واعتاد أن ينفذ قبل أن يعترض إن حدث واعترض أساساً، ليسمع بعدها أحد المسؤولين يتغنى بثقافة الشكاوي معتبراً جهل المواطن بها سبباً رئيسياً لتفاقم الفساد بمجتمعنا.
الأمر الذي أثر فيه بشدة ودفعه لأن يجول الشوارع موزعاً شكاويه يميناً وشمالاً، فشرطي هنا أخذ رشوة دون وجود مخالفة حتى، وموظف هناك طلب "سكرة" ليعطيه ما هو حقه أساساً، ووصولاً لصاحب شركة خاصة سأله: "من طرف مين حضرتك" بالرغم من كون شركته لا تدفع راتباً "متل العالم والناس" أصلاً.
ثم توقف عن توزيع الشكاوى لأنه تذكر أنه لا يوجد مؤسسة واحدة أصلاً تُخبرك بآلية معرفة نتيجة اعتراضك وإن كانت مع الرفض، لأن لا أحد يتوقع منك أن تعترض وإن فعلت فهم لا يكترثون حقاً، فقد بات فسادنا أسلوب حياة.
هذا طبعاُ إن لم تأنبك الجهة التي تشتكي عليها بجملتهم الشهيرة "أي شو وقفت علينا!" ثم تجعلك تتمنى لو أنك أطبقت الصمت بدلاً عن الغرق بدوامة مفرغة من الإجراءات لتصل أخيراً إلى بريد شكاوى لا يقرأه أحد ويُرمى ما فيه أولاً بأول.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: