«راحوا الحباب» وبقيتُ «وحيداً»!
ديب سرحان
لم تكن سنوات دراستي في كلية الإعلام بجامعة دمشق طويلة نسبياً، حيث مرّت السنوات الأربع كلمحِ البصر، ولم أكن بحاجة إلى فصل أو عام إضافي للحصول على الشهادة التي حلمت به طويلاً، ذاك الحلم الذي توقف لحظة حصولي على الشهادة، وما بعد ذلك لم يكن إلا أضغاث أحلام.
بعيداً عن معاناة البحث عن عمل، غير الموجود أصلاً، كانت لدي رحلة شاقة أكثر، وهي رحلة البحث عن أصدقاء كانوا قبل أشهر قليلة مجتمعين قربي على مقاعد الدراسة الجامعية.
«بلاد بلا شباب» لم يخطئ من سمّاها هكذا، فلم يكن انخفاض نسبة السُّكانِ من 24.5 مليون نسمة إلى 17.9 مليون -حسب تقديرات الأمم المتحدة- منعكساً على الجنسَين داخل سوريا، حيث حمل هذا الانخفاض معه انحساراً في نسبةِ الرِجال أمامَ العُنصرِ النسائي المتوغل في المشهد الاجتماعي السوري
«الحرب – الفقر – البحث عن العمل – الدراسة» هي بعض من الأسباب التي دفعت الألاف من الشباب السوري للهجرة خارج البلاد، تلك الهجرة أدت إلى حدوث فجوة اجتماعية كبيرة داخل سوريا، وتسببت بنقص كبير في عدد من المِهن الاختصاصية والعمالة الشبابية، التي تعتبر الأساس لبناء أي مجتمع وتطوره.
هذا الشباب الذي قرر الهجرة بعيداً، وجد أمامه في بلاد الاغتراب آفاق واسعة لتنمية أفكاره وتطوير قدراته وإمكانية بناء مستقبله بطريقة بسيطة تناسب تطلعاته، وهذا الأمر غير موجود داخل وطنه على الإطلاق.
هنا، أصبح كل شيء مستحيل، المنزل، السيارة، الزواج، الموبايل، الآجار، الملابس، وحتى «ركبة التكسي» باتت مستحيلة، هنا، تقتل هذه البلاد شبابها من الداخل قبل أن تقتل أجسادهم، هنا، تموت أحلامهم قبل أن تولد حتى، وهنا، يحتاج الوزير إلى مئة يوم حتى تصله رسالة الغاز "المقيتة"، وهنا، يُنصب على رئيس حكومة سابق بأكثر من مليار ومئتي مليون ليرة بطرفة عين، وربما دون أن يبالي بذلك، وبدون أن يسأله أحد، من أين لكَ هذا.
هي مدينة التناقضات بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بلد الفقر المقبع والثراء الفاحش، بلد المشي على الأقدام لساعات طويلة وبلد اللمبرغيني، بلد الوقت الضائع هباءً وبلد ساعات السواتش، بلد السهر على ضوء الشموع وبلد الحفلات الصاخبة في فنادق "الخمس نجوم"، بلد الحب والموت حقاً، وكل ذلك كان من الممكن تحمله، لولا شيء واحد، الأصدقاء!
بينما أقارع وحدتي ليل نهار، تبادر إلى ذهني أصدقائي، أولئك الذين قضيت معهم أيام جميلة، بدأت أبحث عنهم هنا وهناك دون جدوى، أسأل عن هذا وعن ذاك، لكن الجواب واحد، هاجروا، حقيقةً لا أذكر أي صديق كان معي على مقاعد الدراسة الجامعية وبقي هنا، الجميع قرر الهجرة، وبقيت أنا وحيداً، ربما الغباء وربما عدم القدرة وربما أشياء أخرى، لكن الأكيد أنه ليس الانتماء، أنا هنا أنتظر الفرصة فقط، الهجرة واللاعودة.
المصدر: خاض
بواسطة :
شارك المقال: