Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

فايز قزق «شارة» خير في «المعهد العالي للفنون المسرحية»!

فايز قزق «شارة» خير في «المعهد العالي للفنون المسرحية»!

أحمد السحّ

يهتمُّ الجمهور في هذه الأيام  بعرض التخرج لطلاب قسم التمثيل لدفعة 2019 الذي يجري في القاعة متعددة الاستعمالات - دار الأسد للثقافة والفنون، والذي يشرف على إخراجه النجم فايز قزق (خريج الدفعة الأولى تمثيل سنة 1981).

 حمل العرض اسم «شارة» وضمّ كافة خريجي الدفعة في «مشروع ارتجال جماعي» كون النص من تأليف الطلاب بإشراف قزق، والذين سعوا إلى استخدام طاقاتهم الصوتية منذ اللحظة الأولى للعرض لكنّها خفتت مع اقتراب النهاية ربما لأنه استمرّ ثلاثة ساعاتٍ متواصلة، وبدا المجهود الذي بذله المخرج واضحاً، فتحَ مجالاً أمام كل موهبة للتفرّد في العرض وتقديم مونولوجات، تُبرِز المقدرة الفنية لكل ممثلٍ على حدة، ضمن توظيف سليمٍ لم يؤذِ الحكاية الدرامية، مقدّماً لهم المساحة لاستخدام اللغة الفصحى بمنطوق شعري عالٍ مضافاً إلى اللغة المحكية البيضاء وهي اللغة الأساسية في المسرحية.

تزاوج «شارة» بين الحالة الأكاديمية والجماهيرية حتى يمكن القول أنه يتفوّق على عروض جماهيرية قُدِّمت على خشبتي  «القباني» و «الحمراء» في السنوات القليلة الماضية. 

الحكاية هنا تنحو باتجاه التراجيديا، باستخدام عدة تقنيات مسرحية، أظهرت الوحشية التي في داخل الإنسان، وتفكك الأسرة الواحدة التي يكشفها حدثٌ عظيم كالموت، من خلال شخصيات ذات بنية نفسية مركبة، لكل منها بعدها التاريخي الذي استعرضته للجمهور في استثمار عميق لكل المقدرات التمثيلية عند الطلّاب سعياً لتقديم أفضل ما لديهم، باعتبار أنّهم في أوّل اختبار جدي أمام الجمهور! لذا فهم قادرون على قول حوارات طويلة حدّ انقطاع النّفَس وتلعثم الحروف، فالشخصيات التي قُدِّمت حاولت اقتحام عدة شرائح من المجتمع منها: العامل البسيط ، المطلقة المضطهدة، تاجر الفن ، الفنان الحقيقي، الضرير ، السياسي ، رجل الدين، صاحب المال، والفنانة المشهورة، ولكن الشخصية الأجرأ والتي قد لا نراها على خشبات مسارحنا العامة هي شخصية المتحوّل جنسياً التي جذبت الجمهور لنفورها وبسبب السوية الأدائية المتقنة للممثل (غدير سليمان) الذي قدمها، وربما يجب الاعتراف أنها شجاعة خاصة منه رغم أنها تبرز تقنياته التمثيلية، إلا أنها تخفي ملامح وجهه الحقيقية، وعلى الرغم أن شاعرية اللغة جعلت أحياناً الشخصيات تقول جملاً لا تشبه السياق الدرامي لها، إنما تعبّر بكلمات فصيحة وأكاديمية يبدو الغرض منها استعراضي لإبراز المقدرات اللغوية، فهؤلاء ممثلون ومعرّضون لأداء جميع أنواع الشخصيات ومختلف اللهجات واللغات، مع ترك فسحات للرمزية مثل حوار الغيتار والسكين وهو مشهد استعراضي صامت أدخل فيه الرمزية والمسرح الإيمائي.

 حاول المخرج العدل في توزيع زمن الظهور للطلاب، إلا أن الاجتهاد أو طبيعة الشخصيات فرضت تمايزات خاصة، فلا يمكن للمشاهد إلا أن تعلق بذاكرته شخصية  «غزالة» (إليانا سعد) أو «زاهر» (همام رضا)، أو «غسّان» (سليمان رزق) أما شخصية مثل «سدير» الأخ الأصغر (علاء زهر الدين) أو الصهر «قصي» (علي كمال الدين) فقد كان دورهما أقل حضوراً وربما خرجت شخصية سدير من العرض قبل نهايته كونه طالب سنة ثالثة وليس خرّيجاً. بدا حضور الموسيقى باهتاً أو معدوماً أحياناً، وربما لو قُدِّم العرض بصيغة احترافية لكان لنا الحق بتوجيه الانتقادات للحالة الموسيقية التي رافقت الحكاية والسينوغرافيا، إن لم يتم الشغل عليها لتعطي أبعاداً دلالية للحدث بشكل أوضح، كما أن مستوى التحوّلات والانقلابات طال شخصية المحامية «سناء» (جنا العبود) التي حدث تحول في سياق فعلها الدرامي أما بقية الشخصيات، فقد حافظت على نفس البناء النفسي والفعلي.

 طال العرض نماذج مدراس مسرحية، ورؤى متعددة منها الواقعية والرمزية والسوريالية والخيال والنوستالجيا والفلسفة، وخاصة في الطرح حول فلسفة الذكورة والأنوثة التي تبناها العرض رغم عدم التبني لها من قبل كثيرين.

 لا يمكن القول بأن المسرحية قدمّت الطرح السياسي، إلا أن فايز قزق تمكّن في نهاية العرض أن يوصل مقولته بلغة إسقاطية فحواها أن صراع أهل البيت الواحد أدى إلى سيطرة المتدينين (الجار رجل الدين المنافق – أنس الكاتب) وهم الغرباء على البيت وممتلكاته، قائلاً في رصد تاريخي أننا نتوارث أخطاءنا أباً عن جد بالعقود والمواثيق، التي مهما أثبتناها فإنها لا تنهي حقيقة الحب والعواطف التي يجب أن تبقى هي الثبات!

صفّق الجمهور وضحك عدة مرات رغم الفكرة التراجيدية للعرض إلا أن الأداء سحبها نحو الكوميديا السوداء! وأطال الوقوف إعجاباً بالخريجين في ختام مشروع تخرّج استطاع شدهم لثلاث ساعات متواصلة.

«المعهد العالي للفنون المسرحية» وجهت إليه انتقادات حادة في السنوات الأخيرة حتى خرجت بعض تصرفاتهم المسلكية الحادة مع مدرّسيهم فوصلت بعض الأخبار خارج أسوار المعهد، لكن هذا العرض يقدم مجموعة من الممثلين، ويخرّجهم من ذات الباب ليترك لهم تحديد خياراتهم وتوجهاتهم التي نرجو أن تنحو تجاه المعنى الحقيقي لقيمة الفن عموماً والمسرح خصوصاً!

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: