Tuesday November 26, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

ظاهرة الدولرة غير المباشرة في الاقتصاد السوري

ظاهرة الدولرة غير المباشرة في الاقتصاد السوري

 د. مدين علي

يمنع القانون السوري، استخدام الدولار في عمليات البيع والشراء، تسديداً لقيم المشتريات، أو استيفاءً لقيم المبيعات، وذلك نظراً لما يترتب على ذلك نتائج ومنعكسات خطيرة، تلحق الأذى الكبير بالنقد السوري، صاحب الحق بالسيادة والسلطان، على كامل مساحة الجغرافيا السورية، في عرضها وطولها، كما تلحق الضرر بالاقتصاد الوطني، بحسبان النقد هو نسغ الاقتصاد ودمه، ويبقى السؤال: ماذا تعني الدولرة؟

الدولرة كمفهوم:

الدولرة كمفهوم، تعني أن يتم استخدام الدولار، كعملة بديلة،  للقيام بمختلف المهام و الوظائف التقليدية للنقد الوطني داخل الدولة ( أي كوسيلة دفع ووسيلة إدخار ووسيلة لتسوية المدفوعات ......)

هذا ويعدُّ الدولار في الواقع، عملة المبادلات الدولية الأولى، ويحظى بقبول جميع الدول في الوقت الراهن، ويحتل الأهمية النسبية الكبرى في تسوية المدفوعات الدولية، بالمقارنة مع جميع العملات الأخرى القابلة للتحويل. أي أن جميع الدول تستخدم الدولار وتقبله كعملة لتسديد مدفوعاتها الخارجية، وتسوية المدفوعات الدولية.

 وفي الواقع إن تفوق الدولار على جميع العملات الأخرى القابلة للتحويل، يعود لأسباب مختلفة، يندرج في مقدمتها  قوة الاقتصاد الأمريكي، صاحب الدولار، وارتفاع الأهمية النسبية للتجارة الخارجية الأمريكية في حجم التجارة الدولية استيراداً وتصديراً، وارتفاع الأهمية النسبية لحجم للتحويلات المالية الأمريكية بالنسبة لإجمالي حجم  عمليات التمويل والتحويلات المالية والاستثمارات الدولية.

بعد انفجار الأزمة المالية العالمية عام 2008 ، وفي ضوء تراجع القيمة الحقيقية للدولار، جراء الإصدار الأمريكي غير الملتزم / غير المنضبط،  ونتيجة استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في فرض العقوبات، والإجراءات التقييدية، على كثيرٍ من الدول، التي لا تتوافق سياستها مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، اتجهت بعض الدول منها ( دول البريكس)، لإيجاد صيغة جديدة  للتعامل البيني، بعيداً عن استخدام الدولار كعملة وسيطة  إلا أنّ هذه الإجراءات، حتى اللحظة الراهنة، لا تتعدى نطاق المحاولات الرامية  للتخلص من هيمنة الدولار كعملة دولية.

ماذا يترتب على دولرة الاقتصاد الوطني ؟

لطالما أن الدولرة  تعني أن يتم التعامل بالدولار الأمريكي، بيعاً وشراءً ، فإن ذلك يعني أن حجم المبادلات والصفقات اليومية، التي تتم  بالعملة الوطنية، سوف ينخفض، لصالح حجم الصفقات والمبادلات التي تتم بالدولار، وهذا يعد في الواقع مساً بحدود السيادة الاقتصادية الوطنية، كما يعد مساً بالعملة الوطنية، التي تعد رمزاً من رموز الدولة.

لكن الأثار الاقتصادية هي الأخطر، ولا تنحصر عملياً  بحدود ما تقدم، بل تتجاوز ذلك بكثير ، إذ أنه في الوقت الذي يفقد فيه النقد الوطني دوره، ووظائفه في جغرافيا الدولة، كوسيلة للدفع والادخار، وكوسيلة أوأداة لتسوية المعاملات، فإن  حجم الطلب عليه سوف ينخفض، بحكم تراجع الدور الوظيفي والأداتي، الذي يضطلع بالقيام به، وذلك لصالح الدولار،  ما يعني انخفاض سعر صرف العملة الوطنية، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار، جراء ارتفاع أسعار المواد المستوردة ( المقوّمة بالدولار)، سواء كانت سلع وخدمات استهلاكية، أم مدخلات وسيطة، أم سلع رأسمالية.

هل الاقتصاد السوري مدولر ؟

لاشك أن التعامل بالدولار بطريقة مكشوفة وسافرة/علنية غير موجود وغير مقونن في سورية، وهذا لا ينفي وجوده،  داخل الأروقة الخاصة بقطاع المال و رجال الإعمال، وقطاع الاقتصاد غير المنظم، والقطاع المافيوي، وأسواق المضاربة على الدولار

لكن مظاهر الدولرة كأثر وكنتيجة، لا يمكن أن تُختزل بما أشرنا إليه ( أي بصورتها المكشوفة / التعامل السافر بالدولار)، بل تتخذ صور أخرى، يمارسها الجميع في سورية دون استثناء، لطالما أنّ عمليات التسعير لجميع العمليات وصفقات البيع والشراء، دون استثناء، ولجميع أنواع السلع والخدمات، سواء كانت مستوردة، أم غير مستوردة، على أساس سعر الصرف الجاري للدولار لحظة بلحظة، وهذا كان له في الواقع دور كبير، في التأثير على المستوى العام للأسعار، وبالتالي على مستوى معيشة المواطن في سورية، التي باتت تخضع بقوة، لتأثير مختلف التحولات والتغيرات، التي تطرأ على سعر الصرف، الذي يخضع بدوره، لتأثير مجموعة كبيرة من التطورات السياسية والعسكرية والاقتصادية  والمافيوية، التي تجري داخل سورية وخارجها.

لكن الأخطر في هذا الإطار، هو التحدي الكبير الذي  انتجته ظاهرة الدولرة غير المباشرة والذي تواجهه صناع السلطة النقدية، وصناع السياسة الاقتصادية، تحديداً صناع سياسات الأسعار والتسعير، والدور المرتقب لمؤسسات التدخل الإيجابي، التي ضعفت قدرتها  على استيعاب التراجع في سعر النقد الوطني، والحد من الحركة الحلزونية الصاعدة لمعدل التضخم، الذي ارتفع بصورة مستمرة ومتواصلة، ما أدى إلى تآكل  القوة الشرائية لليرة السورية

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: