Friday May 17, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

تلال الباغوز.. بين الحاضر والتاريخ والأساطير

تلال الباغوز.. بين الحاضر والتاريخ والأساطير

محمود عبد اللطيف

تقول الروايات المحلية أن الكهوف التي يتحصن فيها عناصر تنظيم "داعش" ضمن التلال الصخرية الواقعة إلى الشرق من بلدة "باغوز فوقاني"، تنتهي ضمن الأراضي العراقية، لم يكن السكان قبلاً يجرؤون على دخولها لما ترتبط به هذه الكهوف بحكاية عن "الجن" والوحوش الخرافية، وبعض الرواية تتحدث عن أفعى ضخمة تعيش ضمن هذه الكهوف، وتسمى إحدى كهوف هذه التلال بـ "مغارة التيس"، ويعود السبب التسمية إلى الأقاويل التي يرويها السكان، إذ تقول الحكاية أن "تيسا من الماعز أسود اللون دخل إلى المغارة وخرج في الأراضي العراقية بعد أن أصبح لون شعره أبيضاً".

يتحدث السكان عن تفجر عيون الماء في غابر الأزمان من التلال التي يتحصن فيها حاليا ً ما يزيد عن 200 من عناصر التنظيم حالياً، ويقول البحث في تاريخ المنطقة أن هذا الكهف هو "نهر دورين، الذي يجهله أبناء المنطقة، وهو النهر الذي أمرت بشقه ملكة الباغوز آنذاك حيث ما زالت بقايا المجرى قائمة حتى الآن أسفل كهف الباغوز الشهير، وجاءت تسمية "دورين"، من اسم "ملكة الباغوز" التي نشأت في الألف الثالث قبل الميلاد، وكانت "دورين"، تريد أن يكون هناك فرعاً خاصاً من نهر الفرات يصل إلى الباغوز دون المرور من مملكة العموريين (ماري حالياً) ويجري بمحاذاة جبل الباغوز ليصب خارج حدود مملكة الباغوز.

تعود تسمية "باغوز"، أو كما يسميها أهل المنطقة "باخوس" والذي يعني إله "الخمر"، وربما كانت السهول المتصلة بالتل تزرع بالعنب ومنها يعتصر الخمر، وهناك رواية أخرى تعني "المضيق" حيث إن وادي نهر "الفرات" يضيق عند بداية "البوكمال" حيث تتصل حواف البادية بمجرى النهر يقابله هضبة "الباغوز" المسمى جبل "العرسي"، وهو الجبل الذي يشهد حالياً فشلاً عسكرياً لما يسمى بـ "القوات الخاصة" التابعة للوحدات الكردية في عملية القتال ضد تنظيم "داعش"، وسط استمرار لحالة العصيان التي تمارسها الميليشيات المكونة من أبناء المنطقة بسبب إقصائهم عن "بيان النصر"، و "جمع غنائم الحرب".

فوق تلال الباغوز كان يوجد برجيين أثريين يعودان إلى العصر الروماني، وهما برجان دفاعيان يقابلهما برج ثالث في مدينة القائم العراقية، كما عثر في المنطقة على قبور، إلا أن تنظيم "داعش" هدم كل الآثار في "تلال الباغوز" على اعتبار إنها من آثار المشركين والجاهلية.

ضمن المعركة عملت قوات سوريا الديمقراطية على تفجير كامل الطرق التي تمكن تنظيم "داعش" من التسلل إلى نقاطها للحصول على المؤن الغذائية والذخيرة بعد قتل عناصر النقطة التي يهاجمها، كما إنها عملت إلى استهداف المنطقة بكل أنواع الأسلحة دون القدرة على التأثير في إمكانية الهجوم والدفاع لعناصر التنظيم الذين يحصلون على الماء من خلال التسلل ليلاً إلى نهر الفرات، وبحسب مصادر ميدانية فقد تمكن التنظيم من قتل ما يزيد عن 50 من عناصر "القوات الخاصة" التابعة للوحدات الكردية خلال الأيام الأربعة الماضية.

المعركة التي تدور في ساحة مملؤة بالأساطير الشعبية والتاريخية، كان قد عاش فيها الرئيس السوري الأسبق "أديب الشيشكلي"، أو "الجيجكلي" كما يسميه السكان المحليون، خلال فترة تعيينه كقائد لموقع البوكمال في العام 1941، لكن قدومه إلى المنطقة جاء بعد سنوات على "ثورة البوكمال" ضد الاحتلال الإنكليزي في العام 1918، بعد انسحاب القوات العثمانية من المنطقة، وبعد جملة من المعارك التي خاضها أبناء عشائر "الشعيطات – المجاودة – الدميم"، خسر الجيش الإنكليزي عدداً كبيراً من ضباطه، بينهم ضابط يسميه أهل المنطقة بـ "أبو طوق"، نسبة للطوق الذهبي الذي وجد في عنقه عقب مقتله، وأبرز المعارك كان في منطقة "النسورية"، حيث كانت القوات الإنكليزية متمركزة في "قلعة الصالحية"، ولم تعد تجرؤ على استخدام الطرق العامة، حيث عملت عشائر المنطقة على قطع طريق إمداده ما بين "دير الزور" و "عانة" العراقية، وحدثت هذه المعركة في نبسان من العام 1919، ضمن واد يعرف اليوم باسم "وادي الذبحة" بالقرب من منطقة النسورية.

إلا أن القوات الإنكليزية عادت لتهاجم المنطقة بالمدفعية والطيران، ما تسبب بهدم عدد كبير من منازل القرى الممتدة من "باغوز فوقاني" إلى بلدة "هجين" على الضفة الشرقية، إضافة إلى مدينة البوكمال والقرى المحيطة بها على الضفة الغربية، وتمكن الإنكليز يومها من حصار أحدى قادة الثورة من عشيرة الشعيطات واسمه "سنادي السهو"، فقتلوه مع مجموعة من الرجال، بعد أن تكدست جثث الجنود الإنكليز في محيط التلال الصخرية التي تحصن فيها "سنادي"، وأخوته، ودفن الإنكليز قتلاهم في قبر جماعي فوق أحد التلال المشرفة على مدينة "البوكمال"، وما زال يعرف باسم "قبر الإنكليز"، إضافة إلى مجموعة من القبور الموضوع عليها الصخور ومعروفة للسكان على إنها "قبور الأنذال"، وسمي ذلك العام 1919 بـ "عام الدان"، نسبة للخراب الذي تسبب به الإنكليز، قبل أن تجبرهم العشائر على الانسحاب إلى منطقة "القائم العراقية" في آذار من العام نفسه، بعدها دخل الفرنسيين ليستخدموا المقاتلين العرب من سوريا ولبنان لنشرهم في المنطقة.

المصدر: خاص

شارك المقال: