تحركات أمريكية مريبة في سوريا !
محمود عبد اللطيف
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتوسيع أحد السجون التابعة لـ "قوات سوريا الديمقراطية" في مدينة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي، وذلك بهدف تحويله إلى سجن مركزي لعناصر تنظيم "داعش" المعتقلين في الأراضي السورية، الأمر الذي يحاكي في صورته الأولى معتقل "غوانتانامو"، سيء الذكر في وسائل الإعلام قاطبة، والذي تحول بفعل سمعته السيئة إلى واحدة من الأوراق الانتخابية التي تطرح من قبل المرشحين للرئاسة الأمريكية، وكان الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما"، قد فشل طوال ولايتي حكمه للبيت الأبيض بإغلاق المعتقل كما تعهد.
في المعلومات التي حصلت عليها "جريدتنا"، من مصادر متعددة، فقد نقلت قوات الاحتلال الأمريكي معدات وتجهيزات هندسية لتوسيع "سجن الكتيبة" الواقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة الشدادي النفطية، وذلك بهدف توسيعه وتقسيمه إلى ثلاث قطاعات، ينقل إليها لاحقاً عناصر تنظيم "داعش" من سجون "الحسكة – القامشلي – الرقة – عين العرب"، ليتم تجميعهم في مكان واحد، ما يعني خفض عدد عناصر المخابرات الأمريكية الموزعين على هذه السجون بهدف التحقيق مع العناصر الأجانب.
وتأتي الخطوة الأمريكية منسجمة مع التوجه الأوروبي في عدم استعادة عناصر التنظيم من قبل دولهم الأم، إذ كانت الحكومات الغربية قد سهلت عبور العناصر المتشددة من مطاراتها إلى تركيا التي أثبتت تقارير إعلامية متعددة تساهلها الكبير في مرور هذه العناصر عبر حدودها الجنوبية إلى الداخل السوري لينضموا إلى تنظيم "داعش" أو إلى التنظيمات المسلحة المنتشرة في إدلب وعلى رأسها تنظيمي "جبهة النصرة" و "الحزب الإسلامي التركستاني"، وتعد مسألة إبقاء العناصر المتشددة من الجنسيات الأوروبية في الداخل السوري الضمانة الوحيدة لحكومات حلف شمال الأطلسي بألا ينتقل نشاط التنظيم إلى العواصم الأوروبية، هنا لابد من التذكير بحجم القوات التي حركتها الحكومة الفرنسية لمواجهة اثنين فقط من العناصر المتشددة في حادثة الهجوم على مجلة "شارل إيبدو" خلال العام 2015.
خلق معتقل يتسع لأكثر من 6000 آلاف عنصر متشدد، سيعطي الولايات المتحدة الأمريكية حجة لتمديد وجودها في الداخل السوري بصورة غير شرعية، وستحيل هذه الخطوة المعتقل إلى ورقة لابتزاز الدول الأوروبية على المستوى السياسي، إذا ستعمد واشنطن بين الحين والآخر إلى تذكير الأوروبيين بالمتشددين الحاملين لجنسياتها المعتقلين في "سجن الكتيبة"، كما إنها ستحول هذا المعتقل إلى ورقة مماطلة مع الحكومة الروسية المهتمة أكثر من غيرها بتهدئة الملف السوري كخطوة أولى لتهدئة الشرق الأوسط، وإن كان الأمريكيون يفكرون بالانسحاب العسكري من المنطقة فإن ذلك لا يعني تخليهم عنها، وبالتالي لابد لواشنطن من خلق ركائز وجود مباشر دائمة أو شبه دائمة، مثل "قاعدة التنف" على الحدود السورية العراقية التي من شأنها قطع الطريق الرابط بين عاصمتي الدولتين إلى أجل غير مسمى إلى الآن.
"سجن الكتيبة"، الذي تعمل قوات الاحتلال الأمريكي على توسيعه، يحوي الآن ما يقارب 3000 عنصر، تعرض لهزمة قوية مع البدء بتوزيعه من خلال فرار 30 من عناصر التنظيم بعد سماع انفجارات في داخله من قبل سكان مدينة الشدادي الذين يرجحون أن عملية فرار العناصر المتشددة مدبرة من قبل "قسد"، ليبقى تنظيم "داعش" من خلال الخلايا النائمة التابعة له حجة لبقاء القوات الأمريكية في الأراضي السورية، فالقيادات السياسية لـ "قسد"، باتت تظهر تخوفها من المرحلة القادمة التي من شأنها أن ترسم المسار النهائي للحدث في الشرقية من سوريا، إذ أن واشنطن سنتحسب من الداخل السوري بالجزء الأكبر من قواتها مع حديثها عن إقامة منطقة آمنة خالية من الوحدات الكردية في المناطق القريبة من الحدود السورية – التركية، ولأنقرة الدور الأكبر في الضغط على واشنطن في مثل هذه الخطوة، الأمر الذي يضعف "قسد"، أمام جمهورها من المدنيين الذين خسروا نحو 11 ألف من أبناءهم في حروب مفترضة مع تنظيم "داعش"، ناهيك عن إدخال أنقرة للميليشيات الموالية لها إلى خارطة المنطقة ما سيجعلها مؤثرة في مسار الحدث سياسيا، وهذا يعد هزيمة مجانية للقوى السياسية التي توصف بـ "الكردية"، ولا خيارات أمامها سوى القبول بالأمر الواقع إذا ما أردت الحفاظ على علاقتها مع "واشنطن"، فالأخيرة هددت بقطع المساعدات العسكرية عن "قسد" في حال توجهها للتنسيق مع الدولة السورية.
المصدر: خاص
شارك المقال: